مقطع من رواية “عناقيد الثلج” ثمرة هذا الخريف وتصدر قريبًا… – لا أفهم خوْفي وأشعرُ بتهديدٍ من الحياة، من كلِّ شيءٍ، أخشَى أن تتَركيني، أهابُ أن ينْضُبَ المال الذي معي ولا أملكُ عمل أقوم به، أخاف العودَّة للغوصِ ثانية، أخاف من وجودِ ميتٍ دُفنَ هنا بصَحنِ الدار، حتى أننا لم نُعْلِم سكان الحي ولا أحدٌ يعرفُ بأنَها رحَلتْ…أخاف – كفى إدريس. انْزلَقتْ من فوق السرير ووقفتْ أمامه، كان الليلُ ساكنًا والهدوءُ يسود، والعِتمة تخفي كلّ شيء في الغرفة إلا من ضوءٍ ضئيلٍ من بقايا شمعةٌ تكادُ تذْبَل، تنهَّدتْ وحدَقتْ فيه وهي تحمل صينية الطعام وتضَعها على الفراش وتجلس على طرفه… حَدجَتهُ بسهمٍ بنظرةٍ حادة وقالت بنبرةٍ صارِمة. – انْظر لهذه الصينية من الأكلِ الذي ظلَّ طوال الوقت بالأرض، هل تراهُ؟ لقد أمْضيْتُ حياتي كلَّها منذ وُلدتُ وحتى الساعة لا أخافُ من شيءٍ سوى أن افْتقدَ هذا الطعام…كلّ ما أخافنِي طوال عمري هو الجوع، لم أخْشَى حتى الله وفَعلتُ كلّ ما يُغضِبهُ ولكني خشَيتُ يومًا يأتي من دونِ طعام…وحدثَ ذلك كثيرًا، قضيتُ أيامًا بلا كسرةِ خبز، كنت التهم بقايا ما كان يُرمى بزبالةِ بعض الجيران دون علمهُم...