السعادة المستوردة




السعادة المستوردة

احمد جمعة
السعادة التي يبحث عنها الانسان موجودة بالقرب منه ولكنه يبحث عنها في أعالي الجبال وعبر المحيطات والغابات النفسية التي تتمثل في زيارة الاطباء وشراء الادوية والسعي لامتلاك الأموال والصراع من اجل الوظائف والمراكز وكل هذه الحروب الطويلة يمكن للانسان ان يوفرها على نفسه وفي نفس الوقت يحقق كل المتطلبات والاحتياجات والنجاحات بشيء من البساطة والعفوية ومن دون هذا الطريق الطويل لو أحسن الاختيار الوقت والاصدقاء والمناسبات وطوع الظروف من غير  ان يسيء الى الآخرين او يقفز عليهم او يدخل معهم في مماحكات عقيمة.
السعادة يمكننا ان نلتقيها في كل ما حولنا وفي كل المجالات والقطاعات والممارسات لو أحسنا العمل في هذه المجالات حتى في عالم السياسية وعالم المال وعالم الوظائف والاعمال تكمن السعادة في هذه الأمكنة من دون ان يخسر الانسان سمعته وطهارته وشرفه ومن غير ان يلطخ يده بأي من الممارسات غير السوية .. ففي عالم السياسية يمكن ان يعمل مع الاخرين من غير كذب ونفاق ومن دون لف ودوران وخاصة الكذب الذي أصبح اليوم آفة عالم السياسة التي اختلطت بالنفاق وبالدين وبعدم المصداقية فأصبح من الطبيعي ان ترى الزعيم السياسي والنائب البرلماني ورئيس هذه الكتلة او أمين عام تلك الجمعية يكذب في مختلف المناسبات من دون ان يطرف له جفن وعلى صفحات الجرائد وفي الفضائيات والاذاعات والندوات ويصدر الاكاذيب والناس من حوله تدرك وتعرف ان هذه الأكاذيب قديمة وصدرت من قبل عشرات المرات ومع ذلك لا يتردد هذا السياسي في الاعلان يومياً عن مزيد منها على الرأي العام وهو يصطنع السعادة على ملامح وقسمات وجهه مع العلم تراه يشتكي لمن حوله ولمن يحيطون به عن حالة القلق والتوتر والامراض النفسية والجسدية التي يعاني منها خاصة تلك المتعلقة بضغط الدم والسكر والقلب ومع ذلك لا يجد هذا السياسي السعادة في الصدق والبساطة والعفوية الا بعد سنوات من التجارب ومن الامراض ومن المعاناة ولو انه اكتشف هذا العالم الجميل مبكرا لوفر عليه الكثير من الوقت والجهد وحافظ على الصحة مع مسحة من السعادة التي قضى دهرا في البحث عنها بالوسائل الخادعة.
قس ذلك على مستوى الثقافة والمثقفين والمال ورجال المال والسلطة واصحاب النفوذ وكل من يتصور السعادة في هذا الصراع المحتدم على المراكز والمظاهر وتكالبه على الحياة الزائفة البعيدة عن الصدق وراحة البال.
 من منا لم يدركه المرض او التعاسة او الضجر من الحياة ومن الناس حوله؟ ومن منا لا يتعرض في اليوم الواحد للكثير من الاشكالات والتدخلات وسخافة الاخرين ؟ ولكن بشيء من البساطة ومن العفوية وتجاهل كل ما يسيء سوف يجتاز المرء كل العقبات مهما كانت ولكن السؤال  من يستخدم العقل في كل ذلك بدلات من المشاعر والعواطف المتسرعة الجياشة التي تسير تصرفاتنا منذ لحظة الصباح الاولى التي نفتح فيها عيوننا على النهار حتى المساء حين نضع كرة الرأس على الوسائد.
مجتمع البحرين تغير في السنوات الأخيرة وتغيرت معه النفوس والمشاعر والافكار .. وبدلاً من الحب والتعاضد والتآزر سيطرت المنافسة الشرسة والانانية والطائفية على النفوس ولا أمل في استعادة كل هذه البساطة والسعادة الا بمرور الزمن والتعلم من التجارب واكتساب المعاناة التي لا داعي لها أصلاً  للوصول الى اكتشاف السعادة التي هي حولنا واقرب مما نتصور.. لو بحثنا عنها في المكان الصحيح وللأسف الشديد  حتى الدين السياسي أصبح واحداً من الأمور التي نعاني منها بعد ان كان الدين محبة اللة والناس والذات.

Comments

Popular posts from this blog

رؤية معاكسة ضد تيار المقاطعة!