جنح الليل ونهار العاصفة – أنا البحر والهواء..
جنح الليل ونهار العاصفة
كيف أتعلم من الحياة وأعلم؟
مقطع من السيرة
مرت العاصفة، هكذا كنت أرى كل يوم يمر من حياتي وفيه حدث ما يشاغبني أو يؤثر بي ويزرع التوتر، كنت أعتبره عاصفة مرت وانتهت، أما الأحداث الكبيرة فكنت أعتبرها كالزلال الذي طرق الباب لبضع ثواني ومضى في جنح الليل، أستعيد بعدها الحياة، هكذا عبرت الرحلة الطويلة منذ الطفولة والمراهقة والشباب والنضوج، لكني لم اعبر ولم أفكر يومياً بالعبور نحو الكهولة، فهذه الكلمة لا توجد في قاموسي لانها في الأصل لا توجد بجسدي ولا وجود لها في ذهني المتقد، فأنا اعيش الحياة بلا حدود فيها للأرقام العمرية، فالزمن يعبر مثل النهر الذي لا تستطيع السباحة فيه مرتين فعبارة هيراقلطيس المشهورة وهو يتأمل النهر وهو يجري فيكتشف أن النهر ليس واقفاً وهذا يعني أنه ليس نفس النهر ولوسبحت فيه فأنك لا تسبح في ذات النهر بل في نهر أخر، هذه المقولة طبقتها شخصياً في حياتي منذ نضجت فكرياً، وأدركت بعض مفاتيح الحياة وأهمها أن الحياة صديقة وليست عدوة ونحن البشر من يعقدها ويجعل منها حياة قاسية عدوة، رحت أطبق المقولة على الأحداث والوقائع واستخلص منها هذا الكتاب الذي آمل أن يكون فيه ولو قدر بسيط وبشكل متواضع من العبرة أحمله لأولادي ولكل من تسمح له الصدفة بقراءته، لقد قمت بضخ 90% من تجاربي فيه وسردت أغلب ما مررت به طوال هذه السنوات من وقائع بقدر ما لايجرح أحدأ أو يؤذي الغير أو يمس السمعة، هناك الكثير مما يحكى وهناك الكثير مما لا يحكى وبقدر ما رأيت من التجارب والوقائع والاحداث ما يمكن تمريرها في هذه السيرة قمت بنشره وأعترف بأن ثمة وقائع وقعت خلال مر حلة المراهقة والشباب لا يمكن اعلانها و الكشف عنها، فهناك الكثير من الأسرار في حياة كل منا تحدث وتنتهي ولا يعرف عنها سوى صاحبها حتى بين الأحبة والعشاق والأزواج والابناء والرفاق والاصدقاء ما لا يروى، أمور كثيرة تولد وتموت معنا وهي من الصدمة بما لا يمكن أن نسمح لها بأذية من نحب أو جرح الآخرين.
اعترف هنا وللمرة الأولي بأنني ارتكبت ببعض الاخطاء في حياتي وأكذب لو قلت عكس ذلك، فحتى الأنبياء أخطئوا ولا مفر من الاخطاء، كما هناك بعض الأمور المعقدة وقعت لي تعلمت منها في السياسة والثقافة والحياة عامة، ولم أندم على شيء في حياتي بقدر ندمي على الأحداث التي تعرضت لها بسبب عدم تقديري للمظاهر الأولى الخاطئة والتي اعتقدت في وقتها بأنها الصواب بعينه، من هذه الأمور اعتقادي بأن الثورة هي الخلاص الانساني للشعوب حتى رأيت أغلب الثورات تأكل أبنائها وتسفك دماء شعوبها، وهناك من الأمور المعقدة التي لا تفسير لها سوى أنها رافقت المرحلة العمرية، كأن تحلم بأمرأة لا وجود لها أو تتخيل حياة رسمتها لا غنى عنها، فتضيع سنوات من عمرك محاطاً بهذا الاعتقاد حتى تدرك في مرحلة متقدمة بأن ذلك كان خيالاً نسجه العقل الباطن الذي غذته الصور الخارجية التي يلتقطها العقل الخارجي أو الظاهري وغذى بواسطتها العقل الداخلي وهكذا نجري وراء سراب صور ومظاهر وأشباح متخيلين بانه حقائق حتى ندرك ما هي إلا مجرد ساحة فارغة تم ملئها عبر العقل الخيالي بصور سرابية، مثل الحب والثورة والنجاح والفشل وحتى الحزن والقلق والوحدة، ليست كلها سوى مظاهر زائفة لطريقة تفكيرنا، تعلمت الكثير من التأمل واليوغاء، وفهمت الأمور المرتبطة بالأفكار والمشاعر ما هي سوى الغطاء الخارجي لطريقة تفكيرنا، لقد ساعدني هذا الفهم منذ بداية وعيي له وانا في نهاية الاربعينات من عمري على محاولة شرحه وتفصيله لمن حولي ووجدت ابنتي القابلية والاستعداد لعبور هذا الطريق الشائك للوصول لفهم الأفكار والمشاعر وتفسير الحزن والفرح واكتشاف الذات الحقيقية بداخلنا حتى وصلت أخيرا لقناعة بأنها وصلت لميناء السلام في المعرفة الداخلية، وأملت لو توصلها بدورها لمن حولها.
from WordPress دار لوتس للنشر
via IFTTT
Comments
Post a Comment