هل توقف الله عن الكتابة؟!

احمد جمعة

التكفير، منذ مئاتِ السنين، كان رأسُ أبو العلاء

بتوجيهٍ من عروشِ سلاطين الزمان، وأمراء

المعّري، مطلوبٌ، تم بترُ رأسَ الشاعر،

الفيلسوف، فانتهى عصرُ الفلسفة…A.J

المفارقة أن الاقتصاد إذا كان يقود السياسة في النظرية العلمية، فمن يقود الثقافة؟!

في الحياة اليومية العربية والخليجية خاصة والبحرينية تحديدًا؟ الثقافة عربة بلا عجلات، وهذا الجواب على السؤال…مثل بستان بلا أشجار، ومثل مكتبة بلا كتب ومثل غيوم بلا أمطار…الثقافة، في القاموس عندنا…عزف وطبل ومزمار…وتوزيع جوائز من دون فائزين…ومن يستحقون الجوائز، فهم أما خارج الدائرة!!في نظامنا العربي، الثقافة مواطن من الجنسية الثانية وفي بعض الدول بدون وفي دول أخرى مُقيم…لذلك آخر هموم الدول هو الثقافة، فبعد السياسة والدين والخرافة وبعد البطالة والتشرد والضياع، تطل الثقافة بخجلٍ وكأنه لقيط يخجل من الإقرار بنسبهِ، في الصحف الورقية، صفحة واحدة في الأسبوع محتواها لا يزيد عن انطباعات وترهات، وفي الفضائيات مجاملات وبوس لحي…وفي المؤسسات كرنفالات فوقية وتصفيق لذوي الأسماء التي تتخندق وراء القبيلة…ولذلك لا تبحث عن روائي أو فنان أو رسام خارج السرب…حتى دور النشر في 95% منها لا تنشر رواية قبل أن تتأكد من أن دوائر الرقابة تسمح بها مسبقًا وقبل الطبع!! والنقاد إذا وُجِدوا بدرجةٍ متواضعة لن يجرؤوا بالاقترابِ منها إذ كان عملك يفوق 500صفحة، أو محتواه يتحدى المسكوت عنه… فماذا تنتظر؟ هل تتوقع أن ينبت في هذه التربة رديف لغارسيا ماركيز أو جون تشاينبيك أو أنطوانتيشكوف؟!

الأرض قاحلة مثل صحراء لم تمسها قطرة مطر، توقف فيها الرب عن الكتابة، عند آخر رواية له…!

***

تحولات دراماتيكية، متغيرات صاعقة، صدمات…انفجارات نووية صغيرة!!!هذه الساحة العربية القديمة، تتفكك الآن وتتشكل من خلال هذه الصدمات اللاهثة وراء سحابات وخرائط ضبابية، تتبلور وتمهد لصدماتٍ أعمق…هذا التكالب السياسي والديمغرافي المتهور اليوم في المنطقة خلط الأوراق وألقى بأوراقٍمجهولة، لتنفض الغبار عن المنطقة القديمة ونواجه منطقة مُبهمة تثير فينا الحيرة…تضيع الدول بنفسِ السهولة التي يضيع فيها الأفراد، النوم يحقق السعادة لساعاتٍ وعندما تصحو تُدرك كم أنت محظوظ ما لم ترَ الذي حدث…دع النوم ملاذك حتى لا تموت حيًا، فالأحياء كثيرًا ما لا يختلفون عن الأصنام التي عادت منذ عهد قريش ورجعت عبادتها…صرنا نعبد الثقافة المُعلَّبة، نعبد الدكتاتورية، نعبد الخرافة، نعبد الأوهام…اختلفنا على كره إسرائيل واختلفنا ثانية على حب إسرائيل، ألا نعرف وجهتنا مرة واحده منذ أربعمائة سنة ونيف؟ كلّ ذلك لأن الثقافة لقيط بمحيطنا العربي، ولأنها آخر الهموم بعد سباق الدرجات. بعد أكثر من 100 سنة ونيف من عمر نوبل، لم يفز بعالمنا سوى أديب عربي واحد، نجيب محفوظ وبدلاً من الاحتفاء به اخترعنا كومة من الحجج للتشكيك بجدارته وطعناه بالسكين وهو كهل يسير بالشارع بين بيته ومقهاه الوحيد…بينما دولة مثل كولومبيا طبعت العملة المحلية بصورةِ أديبها غارسيا ماركيز…ويلٌ لأمةٍ تعتبر الثقافة لقيط!!!!

من نحن؟ هل نعرف أنفسنا؟ لو كنا نعرف من نحن هل اقتلعنا رأس أبو العلاء المعري وتقاتلنا على موقعه؟ لو كنا نعرف أنفسنا هل تحاربنا سنوات طويلة على ناقة هزيلة…؟ كان ذلك بالأمسِ وما زال حتى اليوم والدليل ساحة معرَّة النعمان التي كانت مدينة النور والفلسفة فأضحت ملحمة لقطع الرؤوس…من نحن؟ كلّ شعوب المعمورة، فقرائها وأغنياها يعرفون هويتهم، إلا نحن فقراءنا وأغنياءنا، فقدوا بوصلتهم، لا أجلد الذات فقد جلدنا ذواتنا منذ قرون وما زلنا ولكن يظلّ المحتوى فارغًا لأننا تراجعنا عن التنوير مقابل الجهالة المُتمثلة في فقدانِ روح ثقافية جريئة تتحدى الخطوط الحمراء التي صاغتها المؤسسات الرسمية خوفًا من تداعي البناء الخرافي الذي يحمي الجهل…

نقرأ ولكن ماذا نقرأ؟ ونكتب وليتنا لم نكتب…ننشر وللأسف لا يتعدى الكتاب حدود مخازن وأرشيف المكتبات المُغبَّرة من سنين…أي نوع من ثقافة وقد رأينا دار أبو العلاء المعري في معرَّة النعمان يحكمها أمراء الحرب من الدواعش وأقرانهم وبحماية دول وشركات ولديهم أسهم وسندات تتحرك في بورصات عالمية ورغم ذلك نقرأ ونؤلف والسؤال لمن ذلك كله وقراءنا بالملايين مؤيدين لتدمير رأس المعري في معرّة النعمان؟!

حين رأيتُ هؤلاء ينتقمون من تمثال للمعري بقطعِ رأسه في إدلب ذُهلت من كمية الجهالة ومن صمت العالم ومن مرور الحادثة وكأنها روتين يومي لا يلفت الأنظار…حينها أدركتُ حجم الردّة التي نحن عليها…ارتداد عن كلّ ما له علاقة بالتنوير والحياة، مع كلّ هذه النكبة عجبتُ ثانية من تهافت سكان مدينة صغيرة “المحرق” وهي تبكي الزمن الذي كانت عليه…رثاء وبكاء على الأطلال…فيما مدن كبيرة انفجرت على نفسها وتركت أيتام وأرامل وما زال الانفجار النووي الصغير آثاره باقية ورغم ذلك لم يحرك هذا ساكنًا ومضت الحياة هناك، لهو وغناء ولا أفهم إن كان ذلك إيجابي دليل التمسك بالحياة…أم يأس من ثورة على الطبقة السياسية…

مدن عربية تحترق من صنعاء إلى طرابلس، ومن حلب إلى البصرة رد الفعل الوحيد هو روايات أدبية تسرد آلام بلغت حد عدم الشعور بها، عندما لا تشعر بالألم، فذلك لأن الألم بلغ مداه…هذه الروايات لا تُقرأ ولا توزع لأن حصار زمن كورونا من جهة ومن جهة أخرى حصار الجهالة…قال موشى دايان…العرب لا يقرؤون وقد صدق…قال جبران خليل جبران ننتظر الاخبار الجميلة وأحيانًا يكفينا أن لا أخبار سيئة…فهل بلغنا مرحلة الأخبار السيئة لأننا لم نقرأ؟



from WordPress دار لوتس للنشر
via IFTTT

Comments

Popular posts from this blog

رؤية معاكسة ضد تيار المقاطعة!

?What is the story of the British yusra