الثقافة تنتحر، أمام وخلف الكواليس!

 

f9a5c2aeceb58e1f1c58219d491b0606

الثقافة تنتحر، أمام وخلف الكواليسF

احمد جمعة

أمام الكواليس…

في غمرةِ العبث من أمام! الكواليس فيضٌ من هطولِ مكافآت كارتونية! في سوقِ الفضيلة الثقافية تحت مسمى ربيع الأدب! وفيه تسوغ السلع الورقية والصور الإرشادية على كافة محاور المشهد الأدبي الذي انشغل بمحاصصة ثقافية، مدموغة بأختام الوزارات والمؤسسات الرسمية المنتمية لرأس الهرم بشقيه البشري والإلهي! حين يرضى عن طائفة ويغضب من طائفة، فتَحلّ المكافأة أو العاقبة. كلّ هذا السوق الثقافي الراهن في غالبهِ خاضع لمزاجِ آلهة عصر تخلى عن بذرة الخلق، فسارت الأقلام في قوافلٍ من الأعراسِ الاحتفالية، وقد تنازلت أو افتقدت أغلب الحروف عن بريقها وهكذا بدا المشهد الأدبي بغايةِ الطرافة، من أمام الكواليس.

كان في وقتٍ ما، وفي مشهدٍ ما، ثمة ربيع للحروف تُصْنع منهُ كلمات ماسية، وكانت هناك مدنٌ تعجُ بالإشعاعِ الفكري والأدبي، وحدائق زاخرة بالمعاني الواسعة، وذات خيال متسع لأبعاد الكون، وكانت الكلمات رغم الحصار الكهنوتي والسياسي تنثرها الرياح في أقصى مدى الحرية، ولم تكن هناك مكافآت، بل ثمة سيوف وخناجر وحيطان وسدود، تحاول حصار الحروف، لكن الأخيرة كانت منفلتة بعد أن هشمت القيود. وللمفارقة بين الأمس واليوم! أن القيود بالأمس كانت مفروضة موضوعيًا، أما قيود اليوم فهي ذاتية فرضتها الأمزجة الذاتية، لأن أصحاب القلم لم يستحوا وهم يتعروا من رداء القلم بمجاراة إله الفضيلة! فأضحت الصورة لا تخجل من التعري حتى وهي أمام الكواليس.

خلف الكواليس…

التقشف في المعاني، والترف في الشكلِ لهُ دلالات على التفسخ الذي أنتاب القلم، وانتزع منهُ الجوهر، مقابل التنازل عن الخلق في إطارِ مدينة المحاصصة الثقافية! لهذا انتشرت في الأرجاءِ أفاعي تتسكع في حدائقِ الحروف وتصطاد فرائسها باحتفالاتٍ خلف الكواليس تئنُّ من فراغٍ وهي بطريقها لتحتضر، كلّ ما يصدر عن مدينة المحاصصة ينازع منذ ولادته. كلّ ما يتمخض عن المحاصصة يُولَدُ وهو ميت. لتسرح عناقيد الكلمات المزخرفة عنوة رغم بشاعتها في سماء مدينة فخارية، هزيلة، تحتضر من ضمور الإشعاع الحضاري. ومدينة أخرى تنازع بدورها من تخمةٍ لشدّة تجرعها نفايات حروف وكلمات، مجْترّة أثخنتها براميل فارغة مُلِئت بهواءٍ فاسد، فَخيّل للبعض أنها وارفة العطاء، وفرق بين هوى يبوح وهواء ملوث، ولكن الغالبية لا تفرق!

هناك خلف الكواليس، مساومات ومناورات، لتوزيعِ المكافآت بحسبِ حروف الأبجدية في الظاهرِ، نقيض الكفاءات وعبر ترشيحات إلهية! لا يمكن اقصاء من يقع الاختيار عليه، وليس مقبولًا أن ينحسب المختار، حتى لو خجلّ وقرر الاختفاء، فقد وقع عليه اصطفاء الآلهة لهُ، ومن تنتقيهِ الآلهة لا ينسحب وإلا فقد حظوّة البقاء في مدينةِ المحاصصة التي ظاهرها ترف وداخلها جدب. ولهذا السبب لا نرى بهذه المدينة وغيرها من المدن المنسوخة عنها سوى قحط أدبي يرتدي قناع ثراء وهو في الجوهر هراء. فقد صنعت آلهة الترشيحات قوالب جاهزة، ونظمت كرنفالات تنكرية، وأضيئت قناديل اصطناعية بديلًا للشموع، ثم قسطت المكافآت بدرجاتٍ متفاوتة، بحسب المحاصصة التي أزمعت على تشكيلها آلهة الثقافة! وهنا تجري مسابقة هزلية حسم الفائزون خلالها سلفًا، ورافقها تصفيق تم شراءه مسبقاً وهكذا انتهى المهرجان الذي ابتكرتهُ الماكينة الإلهية من خلف الكواليس، ببهجةٍ غامرة أمام الكواليس.

هذا هو سر الطهي الثقافي! خلف الكواليس ويوزع أمام الكواليس، ويسمى بالعرس الثقافي وهو بحقيقة الأمر عُ … ثقافي!   



from WordPress دار لوتس للنشر
via IFTTT

Comments

Popular posts from this blog

رؤية معاكسة ضد تيار المقاطعة!