شيطان قوس قزح

 

شيطان قوس قزح

 صفحة من سيرة ذاتية “ثلوج في يوليو” تصدر لاحقاً

كانت خطواتي العفوية المقرونة بغريزة الفضول هي القفز من عالم المهد إلى عالم الطفولة البدائية بالحي الذي أقطنه والمحاذي للبحر، اسْتلهَمت منه فيما بعد مناخات رواياتي كلها تقريباً، إذ كان البحر بمثابة البركان الذي وُلِدت منه ألسنة اللهب في الحياة الفطرية المفتوحة على المغامرة المحفوفة بالمخاطر والتي راح ضحيتها العديد من الأطفال بسني حصيلة عدم الخبرة بالبحر وأسراره ومخاطرة. تميز هذا الحي بظاهرة تجسدت بأنه كان يغص بالأطفال وكأنهم وحدهم سكان المنطقة وما لفت انْتباهي بشدة فيما بعد العدد الفادح من هؤلاء الأطفال تعج بهم الشوارع والطرقات حينذاك وكأنهم كائنات بلا جذور، إذ كانت الرقعة الصغيرة المحصورة بين ساحل البحر جنوباً وسلسلة المنازل الطويلة على المرتفع عند الأعلى شمالاً مرتعاً لمئات الأطفال ما بين سن السابعة والثالثة عشرة، وهذا ما دفعني لاحقاً للتساؤل عن السبب؟ أدركت أن عدداً كبيراً منهم لم يذهب للمدارس، فطنت لحقيقة مؤلمة أثمرت هذه النتيجة التي كشفتها صورة هذا العدد الهائل منهم الذين احتوتهم الشوارع، إضافة إلى أن تلك المرحلة التاريخية كانت شاهدة على تفاقم ظاهرة التزاوج بين الأهل والأقارب، وحصيلة لذلك التزاوج شهد الحي والأحياء المجاورة له هذا الكم من الأطفال يملئون الشوارع منذ بداية النهار حتى مغيب الشمس وحلول الظلام. من هذا المكان الذي تجسد فيه التمازج الكلي بين الأرواح الصغيرة المحلقة في ملكوت البراءة والموت الذي هو لعبة عبثية نلهو بها كما في الأساطير القديمة زُرِعنا فيها، ولكن من دون عقلانية سوى دراما الطفولة الهائمة بفضاءٍ خرافي لا وجود فيه للكهرباء والإنترنت!! والتوجيه التربوي، حتى أن البعض كان يلقي بنفسه تحت عجلات السيارة التي يندر مرورها في الحي ليختبر ماذا يختبئ وراء هذا الجسم السحري؟ هذا ما تُفْضي إليه العقول الضئيلة التي تشبه بذرة لم تتفتح بعد حينما تقذف الحياة بابن السابعة أو الثامنة ذاته في شارع لا وجود فيه لعاقل أو إشارة مرور حمراء أو معنى كلمة سيارة سواء نتيجة واحدة وهي قطرات دماء تسيل وتروي تربة الأرض العذراء، حتى نَظن أن قَوْس قُزح حين ينفذ من بين الغيوم ورذاذ المطر هو شيطان سري نلوذ منه بالفرار.

 



from WordPress دار لوتس للنشر
via IFTTT

Comments

Popular posts from this blog

رؤية معاكسة ضد تيار المقاطعة!