من رواية “حرب البنفسج” تصدر قريباً عن دار الفارابي

من رواية “حرب البنفسج” تصدر قريباً عن دار الفارابي

 احمد جمعة

حل الربيع وتبعه الصيف، تساقطت أوراق الأشجار تحت وطأة شمس لم يعرف مثلها من قبل، حتى شجرة الكافور الهائلة هزلت أوراقها وكأنها بلغت نهاية عمرها الذي تجاوز حساب كل من عاش تحت سقف الدار،  ترافق ذلك مع أنباء مرض الشيخ سليمان الذي لم يُسمح لأحد منذ شهور بلقائه أو حتى بلوغ قصره وقد سرت شائعات عن خرف الرجل وقيام أبنائه وأحفاده بحجبه عن الظهور أمام الآخرين. شرع مؤيد في إعداد القصر لاستقبال مولودهما الأول إذ لم ترزق فرخندة من الشيخ دعيج بمولود باستثناء محاولة في سنتها الأولى حين لم يكتمل لحمل وطرحته في شهرها الثاني. تلاحقت الأحداث خلال موسم الصيف الساخن واضطر السكان المخذولون بوطأة الحر لهجر مساكنهم والالتحاق بسواحل البحر للتلطيف من وهج الحرارة ونزق الرطوبة السمجة التي لا تطاق. تزامن ذلك مع امتداد شهور الحمل لأكثر من المعتاد، وكان ذلك بمثابة سحر خفي إذا تواردت الفصول وما زال الحمل ينمو بداخل فرخندة التي اعتبرت ذلك خارج الطبيعة، أثار هذا الأمر سكان القصر وأصابهم بالذهول، ولم يجدوا له تفسيراً سوى السحر.

****

 قضى الرئيس سليمان جل وقته رغم هزاله الذي لم يُعرف سببه مع جسده المنهك وضعف إبصاره وارتخاء سمعه في التأمل والتبصر ومراجعة آلاف الأوراق والمستندات والوثائق، بهدف سبر غور كل ما له علاقة بالرق من أجل رصد وملاحقة السافلين الذين خرجت بنفسج من قبضتهم، لم تمر عليه ساعة أو يوم دون أن يشق قلبه ويشعل عقله في خلوة لا تخلو من الأسى والحنين المفعم بالشوق لزمن البنفسج، لا يجرؤ أحد في القصر ولا خارجه على خرق تلك الخلوة الصارمة مهما بلغت الأخبار وتعددت الأنباء والوقائع في الجزيرة، كان وقت التفكير والتأمل والحوار مع ربانته بنفسج التي تركته وراءها وغابت خلف البحار، مثلت له هذه الخلوة حالة من القدسية ينسلخ فيها من عالمه الطارئ وينغمس في أتون البحار والأشرعة وكأن نداء الموج ودماء الحروب التي خاضها يلهمه للبقاء حياً وسط هذه الحياة التي بدت له بلا معنى سوى أنها زائلة وسيعود ليعبر الجسر نحو بنفسج التي تنتظره هناك فيما وراء السديم.

هرع السليط لعزلته عقب فترة وجيزة من استقبال بعض الزوار، وأدرك بحسه أن هناك مئات الأنصار الذين كانوا في خدمته وأعوانه طوال العقود الماضية لم يلتقِ بهم بحكم الجدار السميك الذي نصبه أبناؤه وأحفاده، ولكثرة ما وجههم ولقنهم بضرورة السماح لهؤلاء بمقابلته إلا أن قليلاً منهم تمكن من كسر طوق المنع وتسلل لرؤيته ومن بينهم عفريت الذي كان واحداً من رجاله وأُعْتق بفضله من قيد الرق واعتلى معه لسنين السفينة الساهرة ثم زرعه بنية طيبة في دار الشيخ دعيج المهيزعي طوال السنين المنصرمة، عندما حانت ساعة لقاء العفريت بالشيخ الرئيس الذي استقبله ذات ظهيرة خريفية كان فيها مزاج السليط خريفياً.

 

 




from WordPress دار لوتس للنشر
via IFTTT

Comments

Popular posts from this blog

رؤية معاكسة ضد تيار المقاطعة!