احمد جمعة ثلوج في يوليو سيرة ذاتية – تصدر لاحقاً
احمد جمعة
ثلوج في يوليو
سيرة ذاتية
جميع نفوس البشر خالدة ولكن أرواح الصالحين تبقى خالدة وإلهية
سقراط
الدنيا ليست شراع سفينة تبدله كلما تبدل اتجاه الريح
A.J
[لم أعاني من الشقاء يوماً رغم كوني عشت فيه دهراً]
هل سبق حدث أن رجع إنسان من الموت؟ هل عاد أحداً حياً يرزق بعد رحيله من جديد؟ هذا السؤال صغته من تلقاء ذاتي وطرحته على نفسي ليالٍ وأيام وقد جفا عيني النوم ساعاتٍ طويلة قاربت الفجر، فإذا بيَّ بعد سنوات من التأمل والقراءة والتوغل في نسيج الحياة وامتلاك رحيقها كما النحلة في البستان أو كما الفراشة في روضة أزهار، توصلت لجوابٍ صدمني للوهلة الأولى، نعم يعود الإنسان من الموت لو ترك أثراً طيباً يُذكر، سواء علا مقامه أو انحدر، سواء تباهى أو تغطرس أو جحظ، ما يترك من أثر في النفوس هو بقدر ما ينشر من حب وسعادة لمن حوله، وبقدر ما يزرع من خير لغيرة كما لنفسه فهو عائد مباشرة للحياة بمجرد دفنه، سوف تُحْييه أعماله وسط أهله وأصدقائه ومحيطه وكل من التصق به وأثر فيهم ولو لمحة من بصر أو عبارة في الهواء تحمل عطرها، فهذه تكفي لذكره للأبد، كالبحر تظنه اضمحل ومات بفعل الدفان والتكنولوجيا وتشييد الأبراج وناطحات السحب والمدن الصناعية والجزر التجارية على أنقاضه، ثم سرعان ما تفيض أمواجه، يرجع في النهاية يمتد من أي حدٍ من اليابسة مسترجعاً هيبته، هكذا البحر واسعاً حياً يرزق، هكذا الإنسان كالبحر، هذا البحر الأزلي الذي وُلد مع بدء التكوين، وُلدتُ منه وإليه أمتد منذ طفولتي، حدودي التي تشكلت منذ ولادتي تشبه حدود البحر من خلال أفق البصر الذي تشكل منه خيالي حوله وكان بمثابة منزلي.
في الأصل هو البحر، هو الخوف، هو الحلم والثرى و هو كما قال ذات مرة حكيم:
“القشة في البحر يحرّكها التيار والغصن على الشجرة تحركه الريح والإنسان وحده تحركه الإرادة” أما أنا فقد وُلدت بحاراً، لا أعرف الكتابة لسنوات ولم أكمل الدراسة بعد ذلك، لم أقف بباب جنة الأطفال ألعب معهم.. ولدت فجأة وفتحت عيني وإذ بي على ظهر سفينة تعبر البحر الذي له كل هذه الأسماء .. أَخْضَر، أفْيَح، حَنْبَل، خُضَارَة، خِضْرِم، خَسِيْف، دَأْمَاء، رَجَّاس، رَجَّاف، زَافِر، زُفَر، شَقّ، طَمّ، طَمُوح، عُلَيْم، فُرَات، فَيَّاح، قَامُوْس، قَلَمَّس، قَمِيْس، قِمَّيْس، لُجَاج، لَجِّيّ، مُهْرُقان، نَوْفَل، يَمّ.
هذه هي بداية ونهاية قصة حياة إنسان صاغتها أمواج البحر، منها ولد ومنها يعود كالنهر الذي جاء في الأصل من البحر. سيظل البحر ملهمي في الحياة وعند الرحيل.
قرأت القرآن والكتاب المقدس التوراة، والعهد الجديد الإنجيل، ما وجدت في هذه الكتب الثلاثة، ما يجعل الشعوب تكفر بعضها، سوى أن البعض اقتطع آيات قرآنية فسرها على مزاجه لتخدم استمرار الطبقة الدينية لتتمسك بسلطة حكم الناس والسيطرة عليهم، تماماً مثلما فعل الإقطاع الديني في العصور الوسطى قبل أن تتحرر أوروبا من هذه السلطة وتدخل مرحلة المجتمع المُنفتح وتؤسس الدولة المدنية ويصبح الإنسان سيد قراره من دون تدخل رجل الدين في الخيارات، ماذا نلبس؟ وماذا نأكل؟ وأين نذهب؟ وكيف نعيش؟ ومن نخالط؟ ومن نقاطع؟ حتى أضحت حياتنا سجناً مركزياً لا خيار لنا فيه سوى أن نُولد بالصدفة ونرحل فجأةً، هكذا تبدو الحياة في ظل السيطرة الممتدة منذ عشرات القرون حتى اليوم من دون أن يجرؤ المرء على الاختيار الحر والتفكير الحر والعمل الحر.
وَلَدَت هذه السيرة الذاتية في خضم البحث بأوراقي المبعثرة منذ سنوات الطفولة حتى اليوم، إذ وجدت الخريطة الحياتية التي تفصل المسارات والوقائع التي عشتها تستحق أن تُروى بتواضع إذ إني لا أشكل في هذا العالم سوى رقماً من الأرقام الطويلة ولكن يمكن أن تُروى لأنها على الأقل تخرج ما بداخلي لأتنفس الصعداء بعد كل هذه الرحلة الطويلة التي أشعر بأنني قضيتها، ومن حق نفسي أن تفصح عما بأعماقها، ليس بالطبع في كل الجوانب والدهاليز من الحياة فهناك مناطق مُحرمة الإفصاح عنها وتسليط الضوء وفضح المعتم منها قد لا يساعد ذلك ويضر بغيري من الناس ممن تعاطيت معهم واختلفت معهم وجرى تقاطع بيننا في مراحل وحقب سالفة، ومن حق هؤلاء الأشخاص أن أحترم خصوصيتهم حتى لو شكلوا جزءاً من وقائع ربطتني بهم لكن من حقهم أن تبقى أوراقهم سرية وتُدفن مع الزمن إلا ما تسرب من حولهم بإرادتهم أو بأخطائهم وليس لي حق التدخل في ذلك، ولكن تبقى هناك شخصيات عامة وأفراد محددين ساهموا في الإضرار بالحياة العامة وبالوطن وهم بحكم مناصبهم ومقاعدهم لا يشكلون بطبيعة مكانهم خصوصية ومن الأجدر والمصلحة العامة أن تُكْشف أوراقهم لا بهدف فضحهم ولكن بقصد المصداقية مع التاريخ الذي عايشناه جميعاً ونتحمل وزر أعمالنا التي كانت تصب في المجال العام وليس الخاص. فعندما أكشف بعض الأسماء التي زارت رئيس الوفاق في منزله وقت المحنة المشئومة وأرادت وضع نفسها تحت الأضواء بحجة الإطلاع على موقفه أو اتخاذ موقف محايد من الأحداث، هذه الواقعة على سبيل المثال لا تشكل فضحاَ لأحد ولا تعدياً على الخصوصية بل وقائع تصب في صنع الأحداث وتسجيلها للتاريخ ومن حق الرأي العام الإطلاع على هذه الوقائع لا للتحريض عليها أو خلط الأوراق أو نبش الماضي ولكن لنفهم ما جرى. ففي فهم ما وقع من أحداث في الماضي مَسَت الوطن والناس والمصلحة العليا مسألة مشروعة لأجل تخطي الأخطاء وإصلاحها، الإعلان عنها يضعها في دائرة الضوء وللناس أن تحكم.
هذا ما أردته من نبش أوراق الأمس فيما يتعلق بالتاريخ، وهناك مثالاً آخر أوردته في ثنايا السيرة وهو أن الذين وقفوا بالأمس ضد الوطن وعندما فشلت المحاولة الانقلابية عادوا أدراجهم يبجلون الوطن وقيادته، من الحكمة كشف أوراقهم حتى تكون للأجيال القادمة من أبنائنا الشرفاء في هذا الوطن فرصة أخذ الحذر من هؤلاء ومن هنا جاء قراري بكشف المواقف والأسماء والوقائع لأنها جزء من الحقيقة القائمة ولا يجوز كتابة التاريخ والنظر فيه من دون تسجيل الوقائع وأبطالها إلا فيما يشكل خطراً على البعض فهذا غير سليم ولا أظن إنني سأقع فيه.
from WordPress دار لوتس للنشر
via IFTTT
Comments
Post a Comment