أي إيمان هذا؟

 أي إيمان هذا؟


احمد جمعة
[ عفوا ليس هذا جلد للذات وإنما تحريض على الذات الميتة]
لماذا وصلنا إلى هذا الحال المزري في العالم العربي؟ هل هو نقص الإيمان أو نتيجة زيادة في الإيمان؟ وأي إيمان هذا؟
نحن العرب منذ التاريخ نافسنا أشد الأمم في الإيمان حتى أصبحنا أقوى أمة في الكون تملك الإيمان إلى درجة أن إيماننا تحكم في خمسة قارات! وتجسد في خمس مرات!، وخمس سفرات وخمس تبرعات وخمس رحلات وخمس منافسات حتى أصبحنا الأقوى في خمس قارات، هل تعلمون أي خمس فاجعات نحن فيها؟
حينما تأملت الأمر وأبحرت فيه من خلال مقارنة بيننا وبين الآخرين سواء أوروبيين أو آسيويين، وأمريكيين بالطبع، وجدت اللغز في الإيمان، لا الإيمان الديني فهذا متوفر أكثر من اللازم والى الحد الذي أنتج متطرفين يقطعون الرؤوس، لكن ما أعنيه هو الإيمان الذي قاد الشعوب الأخرى إلى الخروج من الكهوف المظلمة والولوج في فضاء التحرر والإبداع التطور، فنحن ولو تفحصنا إيماننا بأي من المبادئ التي تقود للنجاح لن نجد من يؤمن بهذا كما يؤمن به الانسان الكوري والسنغافوري والياباني وبالطبع الأوروبي والأمريكي، إيماننا مفقود في العلم حتى أن اغلب مناهجنا تقوم على كل شيء إلا على الإيمان بالعلم والمعرفة خارج نطاق التلقين والحفظ، وإيماننا بالعمل مفقود تماماً إلا من حضور وانصراف وخارج نطاق الابتكار والإبداع. وأيماننا بالأفكار الجديدة غير متوفر لأننا غارقين في الأفكار السطحية والهامشية وتلك تهيمن على وسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت الى تفاهات شغلت العرب في كل مكان حتى تظن المواطن العربي أصبح في الدول كوبي بيست.
هناك إيمان بالقراءة بل وديننا أول من دعا للقراءة، ولكن أي قراءة نقرأ؟ وكم الذين يقرؤون؟ وأين يقرؤون؟ وماذا يقرؤون؟ وهل يؤمنون بالقراءة أصلاً؟ إيماننا بالمؤتمرات لا حدود له ولكن ماذا صنعت هذه المؤتمرات؟ ومن يحضرها وما هي مخرجاتها؟ وهل هناك من لديه إيمان بهذه المؤتمرات ممن يشاركون فيها؟ كتابنا جرحوا قلوبهم وهم يدعون للإيمان بالمعرفة ولكن هناك مجتمع كبير يؤمن بعدم جدوى المعرفة، إذن هناك إيمان ولكن بعكس الإيمان عند الآخرين بالمعرفة، لان الإيمان عندنا قائم على الجهل والخرافة والدليل إيماننا بمحتويات وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من إيماننا بابن خلدون والفارابي وابن رشد، وهذا فائض في الإيمان.
عندما أتأمل إيماننا أجد من القوة بحيث لا نملك إيمان بالفكر الحر المنفصل تماماً عن الغيبيات والأساطير والخرافات، وعندما أراجع هذا الإيمان العربي أجده غارقاً حتى النخاع في البطالة المقنعة حيث نفتقد العمل الجسور الذي نغزو به عقول الأجيال بالعلوم والمعارف والتكنولوجيا بعيداً عن استيراد التقنيات من الخارج وتشغيلها من دون تطويرها وإيماننا مقتصر على إدارتها فقط وليس تصنيعها إلا بما يوازي تركيبها كمواد مستوردة مثل لعب الأطفال، ولهذا لا يوجد إيمان بالابتكار وإنما بالاستيراد وهو الإيمان الذي يكلف جيوبنا المليارات ثم بعد وقت قصير تصبح هذه المليارات خردة في الزبالة ونبدأ باستيراد أخرى وهو إيمان متوفر بكميات تفوق طاقتنا على الاستيعاب.
نملك إيمان ولكن من نوع الإيمان المزروع في عقولنا منذ قرون ولم نتحرر منه بعد وهو قائم على الإيمان بوجود كائنات في عقولنا تتصرف نيابة عنا وتقود تصرفاتنا في كل شيء حتى أنها تحدد لنا نوع العلاقات الزوجية، نوع الطعام وشكل الملابس التي نرتدي وأين نذهب؟ وماذا نفعل؟ وتحدد حتى طبيعة علاقة الزوج بزوجته، هذا الإيمان المزروع في عقولنا سببه بضعة رؤوس فارغة تتدلى منها شعور غير مشذبة و عمائم غير مرتبة، هي التي تتحكم فينا طوال الوقت وتحدد مسارنا وهي سبب هذا الإيمان القوي الذي يتملكنا ويضعنا في الصفوف الأمامية من التخلف في العالم. إيمان راسخ غزا العقول وسيطر عليها وتجده في الفضائيات يتحاور ويتناقش في كل شيء إلا في شيء واحد حرمه من  الطرح وهو الإيمان بالعلم هل في ذلك إيمان أقوى من هذا الإيمان؟
نعم نملك إيمان ولكنه الإيمان بالخوف والذعر والفزع والقلق والتوتر والتشتت، نعم نملك إيمان ولكنه الإيمان بالهروب من مواجهة الواقع والتعاطي معه والإيمان بعدم المواجهة مع الآخر والتحدث معه، والإيمان بالخروج من المنافسة قبل إكمال المسافة، والإيمان بترك المشاكل عالقة وعدم حلها والإيمان بمحاربة العقل قبل الخرافة، والإيمان بتفوق الأجنبي في كل شيء من حولنا، والإيمان بفقدان الثقة في أنفسنا في ابسط القواعد. إيماننا قوي ولكن ليس بأنفسنا بل بالآخر فقد خسرنا معرفة الثقة بنا وتركنا أمرنا يديره الأجنبي لان لونه يختلف عن لوننا، هذا هو إيماننا وهذا ما أكسبنا القوة ضد بعضنا بعضاً.
هل هناك إيمان أقوى من هذا الإيمان الذي يتجسد في عدم إيماننا بأنفسنا وفقدنا الثقة في الإيمان بقدراتنا وترك مسافة شاسعة بيننا وبين قدرتنا على إدارة أنفسنا بأنفسنا وأوكلنا للأجنبي إدارة شئوننا، هذا هو الإيمان المسيطر علينا منذ ولادتنا حتى مماتنا  والسلام علينا وعلى إيماننا.

الإيمان الذي سننقله لأجيالنا لن يختلف عن إيماننا الذي جمدنا، والإيمان الذي سينتقل من الأجيال القادمة للأجيال التالية سينتهي بنا المطاف لانسان بلا إيمان مع الاعتقاد الشائع بوجود إيمان، وكهذا نصبح أمة بلا إيمان رغم إيمانها الذي تعيش فيه، فأي إيمان هذا الذي ضاع فيه الأمان.

Comments

Popular posts from this blog

رؤية معاكسة ضد تيار المقاطعة!