رقصة أخيرة على قمر أزرق
رقصة أخيرة _ صدرت اخيراً
– هل يصعب عليكِ أن تكوني مرة صعبة المراس معي، أنت تأسريني بقولك دائماً أبشر عمري.
– كل ما أريده من الحياة أن أكون معك في المركب أينما أبحر وفي أي ميناء أرسى.
– طيب ها هو المركب يرسي في برج خليفة.
كلما أوشكت على النسيان لأفكارها السلبية التي تتسلل رغم تكرار حواراتها الذاتية مع نفسها،إلا أنه تبقى هناك ثغرة يتسلل منها الجدل الداخلي ويطغى صوتها المكبوت بالثرثرة الداخلية التي لا يسمعها، ولا يتصل بمشاعرها، فهي وحدها تسأل وتجيب ووحدها تفكر بصمت وتصل لقناعات تتأرجح بين الصبر والتلويح بالبحث عن ذات مفقودة تعرف جيداً أنها موجودة في مكان ما على هذه الأرض التي لا يبدو في الوقت الراهن أنها الأرض التي تقف عليها ويتحدد مصيرها، فهي حتى الآن تتحرك على سطح بحر يموج بالرمال مع وحدة تسلبها جوهرها وبين حب يحبسها في غرفة بفندق، الأيام تمر كأنها نهر ينحدر عبر صخور تتأرجح خيوطه لتتواصل متعبة لكنها تبلغ غايتها، نداء البهجة يتنازعها مع رغبة البقاء في المكان ذاته، تنتظر الصدفة تحملها للواقع الذي يتحرك فيه البشر مع بعضهم البعض، كانت تتطلع للخروج للنور والتحدث للناس والتسوق بعلنية، وتمارس الجنس من دون المرور على المدن والمطارات التي تقتل الرغبة فيها والشعور برعشة الجماع، من دون أن تتظاهر أغلب المرات بالنشوة. لم تحلم بالحياة الرغدة الحالية، ولم تحلم بالمقابل بوحدة ورتابة وصمت أغلب ساعات اليوم، تتحرك في الغرف والصالات والشرفات هاربة من مرارة الليل حين تدغدغ همسات الحنين للأصوات سمعها، فلا يتناهى لها سوى صدى الشوارع تطل عليها لتكسر الرتابة بتأمل السيارات والمشاة وتفتت طوق الضجر من حولها عندما تعجز الثمالة عن تحجيم كتلة المرارة التي تغص بها، فأي بهجة مضت يمكنها أن تحتفظ بالشعور ذاته فيما بعد، فكل السعادة الخاطفة وهي تعبر بسرعة الضوء، تتمحور حول اللحظة نفسها، وسرعان ما تنبثق من الليالي الموحشة المشبّعة ببخار الرطوبة على سطح النوافذ كأنها تسكب دموع الوحدة مسببة لها الأرق، مهما كانت درجات النعاس، فالصبر يفقد ساعاته بوجه الانتظار، فتتحول الأيام والأسابيع والشهور وحتى السنين لمركب يعبر البحار والمحيطات، ولا يصل لشواطئ أو موانئ سواء تلك التي تعلق على واجهاتها”ترانزيت”.
حين استدارت حولها لم تر سوى الشتاء قد حل، والسماء احتقنت بالغيوم، والسحب تكاد تنزلق وتلامس برج خليفة، وهي تتطلع للسماء في لحظة شعور بانعدام الوزن كما لو كانت في فضاء بهيم، كانت بأعلى قمة البرج تسبح مع أعداد ممن ظهر على ملامحهم سأم الحياة على الأرض فصعدوا القمة لعلهم ينسون ضجر الليالي والقلق، كانت إقامتها في البرج عبر فندق أرماني قد سحرتها هذه المرة رغم تعدد أيام الإقامة فيه، ولكن عودتها منذ شهور من رحلة سيدني جعلت إيقاع حياتها يمتزج بين التشبع من جمال وفخامة الأمكنة والشوق لسطح منزل صغير يهدئ من حرقة الأضواء والموسيقي ومذاق الأطعمة التي تكون للوهلة الأولى شهية المذاق، ولكن بعد اجترارها تتحول روتينية، فتتلهي بتجويع نفسها في محاولة للعودة للتذوق من جديد، كان الشتاء أكثر حرقة في المعدة وسبباً في تصاعد ضربات القلب، عزّت الأمر في البداية إلى البرد، ولكنه لم يكن كبرد سيدني الذي أوقف كل تلك الضربات ومنحها الشعور بالطيران والتحليق دون توتر كالذي يعاودها الليلة بالذات، بعد أن هبطت من قمة البرج، وأغلقت عليها الباب وانفردت في غرفة النوم تتطلع للجوال بيدها ولجهاز اللابتوب.
– ماذا أفعل الليلة لأوقف الانحدار في أفكاري ومشاعري؟
ظل هذا السؤال معلقاً على لسانها وقابعاً في وجدانها المتجمد كالثلج، بعد أن فقدت القدرة على احتمال الصمت، كان الصبر ينفذ من حولها والساعة قاربت على الرابعة وليس من اللياقة أن تتصل به الآن، حاولت الوقوف ولكن قدميها لم تسعفانها بعد كمية الكحول التي انزلقت في معدتها وهي خليط من النبيذ والويسكي، فبعد أن عجز النبيذ من أن يحقق لها الانغماس في التحمل وأحدث شعوراً بالتخمة، سكبت لها الويسكي لتقضي على الأصوات المزعجة التي تحرضها على الاتصال بعيسى، وتكسر الصمت وتنبذ التهذيب، وتعلن صرخة حان الوقت لإطلاقها، فلم تعد بعد قادرة على حبس نفسها في دور الزوجة اللطيفة المحبة، ماذا لو أدى ذلك لإصابتها بسكتة قلبية وهي وحدها بغرفة في فندق؟!
عندما استحال عليها النهوض من على طرف الفراش للتوجه للحمام، داهمتها نبرة حادة من غضب داخلي لم يسبق أن شعرت به، فسمحت لنفسها بالتبول وهي في مكانها، كان ذلك حجة منها تطلق به احتجاجها على ذاتها، وربما تظاهرت بالعجز عن بلوغ الحمام للإنتقام من نفسها على تجاوزها حدود الصبر.
– هل يعقل ألا أسمح لنفسي ولو باتصال منذ المساء حتى الآن؟
كان شبح النوم يحوم حولها، ثم يهرب، يطرق جفنيها ويتسلل ثم يلوذ منها تاركاً الأفكار المزعجة تلعب بعقلها الذي لم يحتمل تساؤلات قلبها الذي تتسارع ضرباته مع كل كأس تتجرعه ومع كمية السجائر التي استهلكتها منذ بداية المساء، لعل صعودها الليلة قمة برج خليفة وإحساسها بأنها ليست على الأرض هو الذي أوشك على إخراجها من حالة الصبر المقبولة لتقحم درجة تحت الصفر في التحمل، ماذا تريد بالضبط الآن؟
-
الرواية في معرض البحرين الدولي للكتاب ابتداء من الخميس 24 مارس بمتحف البحرين
from WordPress دار لوتس للنشر
via IFTTT
Comments
Post a Comment