من رواية يسرا البريطانية- يسرا تواجه سعاد البشرواي

يسرا البريطانية 2 18-5-2015 - Copyred dirty rose copy

من رواية يسرا البريطانية- يسرا تواجه سعاد البشرواي

رمقها بنظرة وهو يعد لها السيجارة باحثاً عن كلمات يرد بها على تساؤلها حول شخصية سعاد البشراوي، لمحت في عينيه بريقاً خافتاً يوحي بغموض مستور، استبق الإجابة بسيجارة حشيشة أشعلها لها وقدمها تعلو ثغره ابتسامه ماكرة على عادته عندما ينوى المناورة، كانت المرة الثالثة خلال هذا الأسبوع تتعاط فيها الحشيشة، ترددت في المرة الأولى ولكنها انخرطت فيها في المرة الثانية وتقبلتها أخيراً.

” استفيدي من المرأة”

خُيل لها بأنه يعرفها، تحسست من طرح الأسئلة، اطمأنت إلى أنها غير متورطة في شيء وتقبلت رده ببرود ما دفعه لاستئناف الحديث حولها قائلاً وهو يرمقها تنفذ دخان الحشيشة.

” ربما كانت تراقبك من فترة”

” هذا ما بدا لي، بل أشعر أنها تلاحقني”

مالت عليه وعضت طرف إذنه اليمنى، سحب بقية الحشيشة من يدها ووضعها في المطفأة ومال عليها وهما فوق الكنبة، قبلها ونهض متجهاً نحو الحمام بعد أن خفف إضاءة الغرفة وقال وهو يدخل الحمام من دون أن يغلق بابه.

” غيري من حياتك بسرعة”

كانت تشعر بدوار في رأسها يصاحبه شعور بالاسترخاء ورغبة تجتاح جسدها أشبه ما تكون بفورة شبق، لكنها تماسكت في الإفصاح عنها واكتفت بالتظاهر بالتثاؤب عند خروجه من الحمام.

” يثيرني جسدها”

سألها متجاهلاً ما عنته.

“ماذا؟”

” سعاد البشروي”

انفجر ضاحكاً وقد وقف في مكانه بالقرب من الباب المؤدي لخارج الغرفة ثم توجه نحوها وأمسك بيدها وتطلع في وجهها.

“لا تذكري ذلك مرة أخرى وإلا شككت فيك”

خلال الأيام التالية، اختفت البشراوي من الفندق، ولكنها فاجأتها ذات مساء وهي تتسوق “بماركس سبنسر” سوبرماركت، تقف خلفها والابتسامة الماكرة تعلو ثغرها، نظرت في عينيها مباشرة، لم تكن تتسوق بل صدمتها قائلة.

“تبعتك هنا حتى نكون بعيدين عن العيون، قبل ساعة كنتِ تتسوقين في “كلارنس ستريت” ما رأيك الليلة نتناول العشاء معاً ونتعرف على بعضنا؟”

” ماذا عنت بعيدين عن العيون؟ كانت تلاحقني من كلارنس ستريت” لم تعد قلقة منها كما في السابق، لم تشعر بالخوف من سلوكها، بل شعرت بأن ثمة خيط يربط بينها وبين مايك الذي هو بدوره غريب الأطوار، يقينها بأن الرجل يحميها من أي زلة نفض عنها القلق، كانت تتوق للتعرف على خبايا المرأة السعودية ذات المظهر الأوروبي لتسبر غورها وتقتحم عالمها الذي يبدو مزيجاً من النفوذ والثراء والغموض، كانت قد قررت منذ سلمت أمرها للباكستاني بأنها غادرت جحر الخوف والعزلة وخاضت مغامرة التعرف على العالم الخلفي للثراء والنفوذ، الذين من وجهة نظرها يمثلان صمامي الأمان في هذا الكون “سأنفذ لما وراء المظهر وأغوص في قاع العالم السري الذي كنت أراه من الخارج مظلماً ولكنه من الداخل فردوساً”

“لم لا، لكني أعمل طوال الوقت”

قالت ذلك دون توجس وبصورة من تبدو غير مكترثة باللقاء، لا تريد أن تبدو صغيرة أمامها، فمنذ أن انزلقت في عالم مايك لم تر في نفسها أصغر من الآخرين “كفاني سنين المرارة والذل”

“أي يوم إجازتك من العمل؟”

سألتها كما لو هناك خطة مفصلة للقائها، كانت تبدو في إيجازها الحديث أنها في عجلة من أمرها، حتى ابتساماتها المتكررة مع الكلام تبدو سريعة الإيقاع، أطلعتها يسرا بأنها ما بعد الغد وتصادف السبت، أعطتها ورقة بها رقم هاتفها النقال وقالت وهي تهم بالانفصال عنها.

” انتظري الساعة العاشرة مساءً باللوبي في الفندق”

تساءلت في سرها “لماذا هذا الوقت المتأخر” تنفست وهي تلتفت حولها، رأت الوجوه من حولها في السوبرماركت ورسمت لنفسها شكلاً تخيلته باعتبارها مواطنة بريطانية، لم تستلم الجواز بعد ولكنها حصلت على وثيقة الإصدار التي تخولها استلام الجواز “أستطيع الآن أن أكون مع سعاد أو غيرها من دون خوف” وقفت أمام المحاسبة وهي فتاة أفريقية سوداء تدفع مشترياتها التي تضمنت شريحة سندوتش تركي وعلبتي نبيذ إحداهما بيضاء والأخرى حمراء مع علبتي حليب واحدة صويا والأخرى عادية، مع تفاحتين وثلاث برتقالات وعلبة علكة، أنهت حسابها وخرجت تحمل مشترياتها في كيسين، بدا الهواء المسائي منعشاً مصحوباً ببرودة تسري في الجسد، جرت خطواتها تسير وقد اختلطت بالمشاة تتطلع في وجوههم لترى مدى اختلافهم عنها، شعرت بالوحدة وهي تسير ولكنها استبدلت شعورها من التفكير في سعاد البشراوي إلى التفكير في استثمار علاقتها بمايك للخروج نهائياً من دائرة الفقر والضياع، تذكرت أنها تملك لوحة فنية تقدر بثلاثين ألف جنيه وهي ضمانة مستقبلية، مع سيارة جديدة صغيرة حتى الآن لا تستطيع قيادتها “أريد أكثر من ذلك بكثير” كانت ترى نفسها وقد خسرت كل شيء عبر السنوات المنصرمة وخرجت للعالم من دون أسرة ولا رصيد، لا وطن ولا أصدقاء طفولة أو دراسة، لا منزل ولا جيران، لا علاقة عاطفية ولا أشخاص من الماضي، كل ما تملك وظيفة حقيرة تنظف من خلالها قذارة الآخرين التي يخلفونها في غرفهم، ظلت الأفكار تسابقها وهي تسير يلفحها هواء المساء الذي ازداد برودة لدى مواجهتها الشارع الرئيسي المطل على حافة نهر التايمز، بلغت الفندق، التفتت نحوه وشعرت بالرتابة وتذكرت الوجوه بداخله التي خالطتها واكتفت بابتسامة تنفست من خلالها الشعور بالوحدة، رغبت في مجيء موعدها بسرعة مع البشراوي لتنتهي من حالة الغموض التي تلف العلاقة الغريبة بها.

 

 

 




from WordPress دار لوتس للنشر
via IFTTT

Comments

Popular posts from this blog

رؤية معاكسة ضد تيار المقاطعة!