البحث عن السعادة وهم عند هؤلاء





البحث عن السعادة وهم عند هؤلاء

احمد جمعة

كثيرون يحدثوننا عن السعادة وعن المجتمع المدني الديمقراطي المتحضر، وأنا شخصياً لا أصدقهم لأسباب باتت لدي معروفة ومكشوفة، فرؤيتي للسعادة لا تنطبق عليهم ولا على ما يقولونه.
البحث عن السعادة هو  هدف الجميع في هذه الحياة فسواء كان عن طريق المال او الصحة او القناعة او أي شيء آخر مما توفره الحياة لنا فهو غاية، أما الوسيلة الي السعادة فهو المال والمركز الاجتماعي والمنصب العام والنفوذ وغيرها من الوسائل التي يعتقد صاحبها انها الطريق الموصل الى السعادة ولن أتدخل في هذا الاعتقاد فلكل فرد حرية وخيار الاعتقاد ولكن عليه تحمل النتيجة وعليه القبول بالنتائج النهائية لهذا السلوك المؤدي الى طريق السعادة.
مناسبة هذا الكلام هو كيف نصدق ان الانسان هدفه من الحياة هو السعادة وفي نفس الوقت نرى الخيارات التي يقوم بها لا توصل الى هذا الهدف؟ والأغرب من ذلك ان الخيارات الكثيرة التي يجري وراءها الانسان لا تؤدي الى طريق السعادة بقدر ما هي عناصر للشقى والا كيف نرى مثقفين وكتاب ومتعلمين لا يدركون الحقيقة، وبالمناسبة الحقيقة هنا نسبية ولا علاقة لها بالمطلق بينما هناك بشر من البسطاء والمعوزين والمعدمين تراهم وجدوا الطريق الى السعادة بالرغم من حالة البؤس التي يعشونها ؟ هذا الموقف يدل على جشع لدى الانسان لا حدود له وان الدراسة العليا والمنصب والثقافة والمال في كثير من الأحيان تقود أصحابها الا الى العمى بالحياة والحقيقة ولهذا نرى بعض رجال المال والأعمال يسهمون بتعمد او غير تعمد بتخريب الاقتصاد الوطني للدولة التي ينتمون اليها وترى مثقفين واساتذة جامعات وحتى مفكرين يخربون الوعي الانساني والحضاري للبلد التي يعيشون فيها وهذا ليس بمستغرب ما دام الانسان لا يرى الحقيقة الا من خلال النظرة الخاصة الضيقة وهي النظرة المتعلقة بمصالحة الشخصية والذاتية وهي مصالح تنبع من الأنانية ومن النفس المريضة المشوبة بالتوتر والقلق لأنها لا تدرك الحقائق وتجري وراء الأوهام.
كم من رجل أعمال ومال رأيناه خلال الأزمة الطاحنة التي مرت علينا يخدم الأهداف المعادية لبلده بل يكاد يطيح باقتصاد بلده ويحطم كيان الدولة لأجل اعتقاد ديني ومذهبي؟ وكم من مثقف وأديب وشاعر وباحث يدمر تراث بلاده من التسامح الانساني والحضاري ويركب موجة التطرف والتشدد وهو لا يختلف عن رجل الدين المتطرف الذي ينظر ويفتي للتخريب والعنف؟ وكم من استاذ جامعي وطبيب ومهندس ومحامي وغيرهم من هم مسحوبين على أصحاب الوعي والثقافة غرقوا في تفاصيل الصراع المذهبي والديني وكأنهم كرادلة الدولة الاقطاعية أبان حقبة القرون الوسطى المظلمة في أوروبا، في الوقت الذي هم يعيشون حقبة القرن الواحد والعشرين من الألفية الثالثة وهي الألفية التي بلغ فيها الانسان المعاصر ذروة التطور التكنولوجي والحضاري .
كل هذه المظاهر لها علاقة بالوعي بالطريق الى السعادة، فكيف يجد الانسان السعادة وهو مغيب في دهاليز الظلام؟ وكيف يصل الى السعادة ومجتمعه الذي يعيش فيه نهباً لعدم الاستقرار ؟ وكيف يفكر الانسان بالسعادة وهو يدعم العنف والتخريب ؟ وكيف يعيش سعيداً وغيره من الناس يكرهه؟ لا تجتمع السعادة مع الكراهية ولا تجتمع السعادة مع مجتمع ممزق ومقسم ولا تأتي السعادة عن طريق هدم قواعد الدولة التي ترتكز عليها الدولة العصرية المدنية.
لقد مررت بنموجين لأشخاص يتحثون عن سعادة مجتمعاتهم ولكنهم في الواقع لا يقدمون سوى الدمار والتخريب وعدم الاستقرار فكيف ينسجم طرحهم عن السعادة وهذا التوجه؟
لن نذهب بعيداً رجل اقتصادي بني كل ما يملكه وقامت عليه ثروته وما حققه من انجازات على هذه الدولة وعلى دعمها له ومساندته طوال مسيرة حياته وفي لحظة زمن خاطفة نسى كل ذلك وانظم الى تيار العنف وهز الاستقرار وهدم الاقتصاد .. كيف يكون ذلك؟
وهناك مثقف ومتحرر ومنظر فجأة هجر الفكر وانظم الى الغوغاء كيف يكون ذلك ؟
وهناك نموج آخر لسياسي  تخرج من حوزة دينية وارتدى العمامة واصطف مع الدولة الدينية طوال حياته فجأة يقول أنا مع الدولة المدنية الحديثة ... هل نصدق ذلك ؟
اذن السعادة وهم كبير حينما يتحدث عنها أمثال هؤلاء.


Comments

Popular posts from this blog

رؤية معاكسة ضد تيار المقاطعة!