معاداة النظام أم الوطن - احمد جمعة






معاداة النظام أم الوطن
احمد جمعة
  
الوطن أو النظام السياسي أو الوطن ،ومسـألة التفريق بينهما والبحث عن قواعد التفريق بين النظام والوطن تبدو مسألة في غاية التعقيد ان لم يكن الغموض في عالمنا العربي ، ولتسمح لي بداية بالقول ان مفهوم النظام يختلف عن الوطن في  القاموس السياسي العالمي ولدى المحترفين من الساسة والمفكرين في العالم الديمقراطي ، ولك مثال في التعاطي السياسي في بريطانيا وامريكا ودول اوروبا وحتى في الهند وغيرها من الدول تجد النخب المفكرة والسياسية تفرق بين النظام السياسي والوطن فهي تختلف مع النظام وتبدو في جدل مع أجندته المختلفة ولكنها لا تمزج بين الدولة السياسية التي تمثلها السلطة سواء كانت تشريعية او تنفيذية وذلك من منطلق الوعي بأن النظام هو برنامج العمل الحكومي الذي قد يشكل موضوع اختلاف ولكن الوطن يبقى هو الثوابت العامة القائم عليها الأمن القومي والاستقرار العام والمصلحة العامة التي يندمج فيها العلم والارض والدستور والانسان وكل مكونات هذا الهيكل العام الذي اذا اختل في احد قوائمه شكل ذلك خطرا على الوطن بمجمله ولذا ترى المعارضة والنخب في الدول الاوروبية والصناعية والدول الديمقراطية تختلف مع الحكومة ولكنها تقف معها اذا ما تعرض الوطن لأي تهديد خارجي ولك في أحداث 11 سبتمبر بالولايات المتحدة مثالا على هذا التفريق، فرغم الخلاف مع ادارة الرئيس بوش الا ان جميع النخب هناك اصطفت معه ووقفت الى جانب ادارته عندما تعرضت الولايات المتحدة الى الاحداث الجسام التي هددت أمنها القومي.
جوهر حديثنا اليوم هو النخب العربية وموقفها المعادي دائما للنظام السياسي والذي يتوغل شيئا فشيئا في معارضته الى ان يصل الى حد معادة الوطن، ولا نريد هنا ان نعطي دروساً في الوطنية ولا في القومية ولكننا نلاحظ فارقاً كبيرا بين نظرة النخب في دول العالم المتقدم وبين النخب في عالمنا العربي التي اتخذت من شعار المعارضة الدائمة للنظام السياسي مبدأ وهنا لا أحظر ولا احجر على النخب من قيامها بدورها المفترض ان يكون طليعي في الاصلاح والبناء والدعوة الى التنمية وموقف النخب الذي يأخذ على النظام بعض الأـخطاء والاخفاقات، هو يعتبر أمر مشروع ومبني على دور هذه النخب في المحاسبة والتوجيه وفي والتفكير العلمي الذي يهدف الى الاصلاح، ولكن ما يحدث في العالم العربي وفي كثير من التجارب التي نتابعها يتحول دور النخب الى دور معادي للوطن حينما يتم التنازل عن الوجود الكلي للوطن عبر التعرض للثوابت القائم عليها المجتمع بأسره مما يوقع هذه النخب في معاداة الوطن خلال موقفها من النظام السياسي.  طبعا ليست كل النخب ولا في كل المناسبات ولا في كل الأحوال تقع في هذا الإشكال، فهناك كثير من الكتل الفكرية والسياسية تعمل على الاصلاح عبر جدلها مع النظام السياسي، واذا لم يخرج هذا الجدل عن اطار الخلاف السياسي ويدخل في الهجوم على الثوابت الوطنية فان العمل الفكري والسياسي لهذه النخب يبدو مشروعاً.
هناك عدد من الدول منها العراق الذي يتعرض اليوم لامتحان صعب يتعلق بوجوده وكيانه ومكونات شرعيته مما يتهدد هذا الوجود حينما أخذت النخب تتقاتل وتتذابح وتذبح معها الوطن كاملا من خلال عدم التفريق بين النظام السياسي وكينونة الوطن ذاته فقد تمزق العراق وهو يتعرض اليوم الى اشد المخاطر الى الحد الذي يبدو فيه الوطن برمته في مهب الريح وكل ذلك والنخب هناك لا تهمها سواء المصالح الذاتية الضيقة التي تجاوزت الخطوط الحمراء في التعاطي بين الوطن والنظام.
من هنا انظر الى مسالة المعاداة للوطن وللنظام أمر يبدو مبهماً حتى الآن في عالمنا العربي والخلط بين معاداة النظام ومعاداة الوطن مسألة بحاجة الى وقفة وآلية فهم  من قبل هذه النخب لتحديد مسارات عملها الذي تقوم به وتخلط فيه بين النظام والوطن.

Comments

Popular posts from this blog

رؤية معاكسة ضد تيار المقاطعة!