تحت الصفر




تحت الصفر
احمد جمعة

قرن من الزمن  في عمر الشعوب ليس بالقصير، ففي مدى قرن  واحد عاش كل من اينشتاين وفلادمير لينين وطه حسين و بيل جيتس حيث تشاركوا في صنع الثورة البلشفية الروسية واكتشاف النظرية النسبية التي غيرت معالم الكون مع  إنتاج أهم اكتشاف أدبي وهو الشعر الجاهلي وثورة مايكروسوفت.
 في قرن واحد حلقت الطائرات ودارت حربين عالميتين واجتاحت العالم موجة التلفزيون الملون بالإضافة لنزعة الديمقراطية التي بدأت تتسارع وتيرتها هنا وهناك بين عشوائية النتائج وتفكك الدول وانتشار الطائفية، في مدى قرن جرت تحولات قد يراها البعض سريعة خاطفة وقد يراها البعض الآخر بطيئة قاتلة ولكنها بمقياس عمر الشعوب هي قرن من الزمان ليس إلا.
بين دولنا العربية والدول الصناعية فجوة قرن بأبسط مقياس حضاري.. فهم يصنعون كل شيء ونحن نستورد كل شيء، هم يكتشفون العلوم ويتوصلون للعلاج ونحن نكتشف الأمراض ونستورد العلاج  وفي نفس الوقت نلعن حضاراتهم في  خطبنا يوم الجمعة ، هم يزرعون الحدائق ويستنبطون الثمار بالهندسة الوراثية ونحن نقتل النخيل ونتسابق على بناء ناطحات السحاب التي لا احد يسكنها من الفقراء والمعوزين، هم يزرعون البحار ونحن ندفن البحار ونقيم العمارات والجزر الصناعية، لا وجه يجمع بيننا وبينهم  إلا وجه ربك ذي الجلال والإكرام.
لماذا نجلد الذات ونحن المسئولين عن تأخير الزمن عندنا ؟ ولماذا نلوم الغير ونحن نتسابق على الاقتتال فيما بيننا ؟ ولماذا نعجب بحضاراتهم ونحتقر حضاراتنا ؟ لماذا ولماذا والزمن يجري والشعوب تتغير والدول تتحول ولا شيء يتحرك عندنا؟
جرت ثورات في العالم وقامت انقلابات  وفي كل مرة نقول باقي ساعة من الزمن على نهاية عام ومجيء عام آخر.. فما الفرق بين 2010 و2009 و2000و 1990 و2011 و, 2014سوى حفلات صاخبة بفنادق الخمس نجوم ثم موت آخر للأيام وسبات يعاود الجفون وعودة لعقرب الساعة إلى الوراء وكأنك يا بو زيد لا غزيت، فأين خارطة الزمن من دنيا اليوم؟ وأين حركة الكواكب والنجوم من عصر القرن الحادي والعشرين؟
زمن يتغير وزمن يبقى والفرق بيننا وبين التقويم الدولي هو  هذا الاحتفال اليتيم المقام ليلة العام الجديد لساعتين أو ثلاث من الزمن، ثم تطفئ الأنوار ويخلد الجميع للنوم ليستمر هذا النوم عاماً آخر نصحو بعده لنحتفل ثم تطفئ الأنوار ونبارك لبعضنا بالعام الجديد ويبقى السؤال حائراً ما الجديد تحت الشمس؟
كل ما حولنا قديم.. أفكار قديمة ومشاعر قديمة وممارسات قديمة ليس سوى الأجهزة الجديدة التي نتباهى بها وهي ليست إلا بضاعة قديمة تأتي من نفايات الثورات الصناعية الغربية وفيما عدا التلفزيونات والهواتف والسيارات لا شيء جديد في أسواقنا ولهذا تأتي الأزمات المالية لأننا أغرقنا أسواقنا بالأجهزة وأفرغنا عقولنا من التفكير والإبداع ولهذا نربح دائماً حين نخفق في ردم الفجوة بيننا وبين القرن الذي ليس هو إلا "مائة عام من العزلة" فقط.
قرن من الزمن ليس إلا فارق بسيط بيننا وبين العالم من وراء المحيطات ورغم ذلك حينما نتحدث عن هذا العالم الذي نعيش فيه تحت سقف واحد، ندعي اننا في القرن الواحد والعشرين، فهل حقاً نحن في القرن الحادي والعشرين يضمنا وهم تحت هذا السقف؟
ان التوازن المفقود والخلل القائم في العلاقة بين عالمنا والعالم هو سبب هذا الانفصام المتعذر التغلب عليه من خلال فقدان العلاقة المتوازنة .. لقد عاش في هذا الزمن اينشتاين وعاش كذلك أدولف هتلر وشهد القرن الماضي حربين عالميتين وغزو الفضاء وظهرت دول وسقطت دول وتجددت دماء دول وتحنطت دول، فما كان نصيبنا من هذا التحول غير الاحتفال بعام يمضي وعام يأتي، ودرجة التقدم هي نفسها عشرة تحت الصفر !

Comments

Popular posts from this blog

رؤية معاكسة ضد تيار المقاطعة!