صحفيين لا صحافة



صحفيين لا صحافة


احمد جمعة

في اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي  نحتفي بالصحافة به عادة كل عام في عيدها، كعادتنا منذ أن أعلنت عنه الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1993، وكم هو رائع وجميل أن تحتفل الدولة بالصحافة وأصحاب القلم ممن قدموا عصارة جهودهم في سبيل وطنهم ودفع عجلة الرقي بمجتمعهم، وينم عن وعي الحكومة ويدل على الاعتراف بالجهد الذي تبذله الصحافة والإحساس بالتضحيات التي قدمها قافلة من الصحافيين الشرفاء ممن تحملوا عبء الدفاع عن الوطن وحماية أمنه في أحلك الظروف التي مر بها الوطن.
إذا كنتم بالفعل “سلطة رابعة”، فلماذا لا تعاملوا كباقي السلطات الثلاث “التشريعية، القضائية، والتنفيذية” ولو من حيث الامتيازات؟
 هل تم تكريمكم من قبل الدولة أسوة بتكريم أعضاء السلطات الثلاث؟
هل حققتم ما يضمن لكم حياة كريمة بعد سنوات من الشقاء في مهنة “البحث عن المتاعب”؟
لقد عملنا في حقل صاحبة الجلالة منذ السبعينات وزاملنا العديد من الكواكب في عالم الصحافة البحرينية، اسمحوا لي أن أقول صحافيين وليس صحافة، فهناك فرق شاسع!: الصحافة هي صحافيون بشر قبل أن تكون أجهزة وبنايات ومطابع وأحبار وأقلام، يخطئ من يظن أن الصحافة مجرد أجهزة صماء وبنايات حديثة ومظاهر ودعايات صارخة ملوثة بأطناب الكلام المنافق.. كلا، ليست الصحافة تلك، فهذه المواد الجامدة ليست سوى وسائل حيادية تستخدم في الخير والشر وبإمكان المطابع والأقلام أن تصبح وسيلة للخراب، وبإمكانها أن تصبح وسيلة للبناء، ومن هنا أقول إن الصحافة مهنة الشرف لمن يعرف الشرف، ومهنة الخيانة لمن يمتهن الخيانة، ولهذا فالصحافة قبل أن تكون مواد ووسائل وورقا هي ضمير بشري يملك الإحساس بنبض الشارع، ويوغل في الجسارة والشجاعة في الدفاع عن الحق والوطن، ولهذا يصبح الكاتب الصحافي أسطورة التعبير عن الحق مهما تكالبت الضغوط والتهديدات، وحمله القلم بشرف للدفاع عن الوطن والثوابت الوطنية هو المغزى اليوم من الصحافة التي لا أعرفها إلا بأنها الكاتب المقاتل في سبيل الوطن!!
لقد عرفت البحرين خلال المحنة الانقلابية وبعدها كتاباً وصحافيين أعطوا من عرقهم ومن جسارتهم ومن قلقهم ومعاناتهم ما يعطيه كثيرون يتبوءون المناصب العليا في الدولة وفي السلطات الأربع، التي منها السلطة الرابعة الصحافة، التي لم ينل الكتاب والصحافيون ما يستحقونه من الاهتمام من قبل الدولة ما يوازي من ينتمون للسلطات الثلاث الأخرى باستثناء صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الذي لا يمر فيه يوم ولا مناسبة من دون أن يعطي الصحافيين والكتاب مقدارهم ومكانتهم، ولا يخلو حديث ولا فرصة من الإشادة بالصحافيين والكتاب، وهذا ما عزّى الصحافيين وخفف معاناتهم ودفعهم لمزيد من العطاء، فبعد الذي قدموه وما زالوا للوطن، فإنهم آخر من يأتي في القائمة
متى يأتي الوقت لنرى الصحافي مثله مثل النائب في الشورى والنواب وبقية المناصب الأخرى؟ هل هو أقل منهم؟ هل عطاؤه لا يساوي عطاءهم؟ 
هناك من الصحافيين والكتاب من أفنى عمره وضحى بوقته وأسرته وراحته طوال نصف قرن من الزمان، ورغم ذلك ما زال مستمراً، ولكنه لم ينل ما ناله كثيرون من المتفرجين، بل ولم يتوازَ حتى مع ما ناله الخونة والعملاء وأعداء الوطن.
ويتحدث الكاتب جمعة وقد بدا من صوته المبحوح أن الحديث قلّب عليه المواجع فيقول: يتحدثون عن الصحافة بوصفها السلطة الرابعة، ولكنهم يميلون لأرباع الصحافيين والمحسوبين على الصحافيين زوراً وبهتاناً، الصحافيون مكانهم معروف ومواقعهم محددة، وسط الأزمات والأحداث الدامية يذودون عن الوطن وعن الشعب وعن القيادة، لا تهزهم ريح ولا تثنيهم ضغوط ولا تشتريهم ريالات ودولارات، هؤلاء هم السلطة الرابعة بحق وليس أولئك الذين يتمسحون بالمناصب والمراكز باسم الصحافة وهم الهاربون والمتخفون إبان المحن
لم نسمع صحافيا واحدا حتى لو قضى نحبه بعد نصف قرن نال ما ناله آخرون في السلطات الثلاث الأخرى، فلماذا إذن نطلق على الصحافة السلطة الرابعة؟ 
أين تقدير الدولة لهؤلاء
هل سمعتم عن كاتب أو صحافي نال جوازاً خاصاً أسوة بغيره في بقية السلطات؟ فقد فضل بعضهم إبان نصب المشانق في دوار الشؤم الهروب والانسحاب والاستقالة ومغادرة السفينة، حين أطلق خونة الوطن قائمة العار في الدوار وفيها أسماء المطلوبين للمشنقة كانت بكاملها تقريباً للصحافيين والكتاب، فأين تقدير الدولة لهؤلاء؟ الذي حدث خلاف ذلك، فهناك من شرد ومن أبعد ومن مورست الضغوط عليه للتوقف عن الدفاع عن الوطن!!
أليس في ذلك عار على وطن يجلد كتابه وصحافييه؟
وحده من عبر عن مشاعر الكرامة للصحافيين فقال عنهم أروع ما سجله الموقف، وهو رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة عن دور الصحافيين بقوله المشهور دائماً إن الكلمة جامعة لا مجزئة، وموحدة لا مفرقة، وإن على الصحافة أن تنبري لتصحيح الصورة المشوشة التي تحاول بعض وسائل الإعلام رسمها وترويجها عن البحرين، فهذا شأن وطني يخص البحرين.
لقد مرت البحرين بمنعطفات خطيرة وتحديات لا مثيل لها تجاوزتها بفضل الله ورجال مخلصين في المجالات والمرافق كافة وفي مختلف القطاعات والمواقع، والصحافة بكوادرها البشرية هي واحدة من هذه المواقع التي دافعت عن البحرين، ويسجل التاريخ أن شعب البحرين هب للدفاع عن وطنه، من رجال أمن وجيش وإعلام ومواطنين والفئات والشرائح كافة، وما الصحافيون إلا شريحة من هذه الشرائح، ولا نريد أن نميزهم عن غيرهم، ولكن بواقع الأمر لا نريد كذلك ظلمهم وبخسهم حقهم 

*****
 إنتهى الحوار!


Comments

Popular posts from this blog

رؤية معاكسة ضد تيار المقاطعة!