حسناء الديمقراطية!
حسناء الديمقراطية!
احمد جمعة
حسناء اسمها الديمقراطية ، وشعوب وقبائل تتقاتل من أجل هذه
الحسناء التي من يمتلكها يدخل الجنة وحده ولا شريك له في الحسناء ولا في جمالها، فلا
يوجد ما يسمح للحسناء بأن تتوزع على كل قبائل
العرب، فمنذ الجاهلية وحتى يومنا هذا تظل الديمقراطية هوساً بالسلطة يتطلع لها الديمقراطيون!
وحينما يفوزون بها يحتكرونها لأنفسهم ويرددون بفرح لا :تصدقوا الديمقراطية.
الديمقراطية واحدة من أصعب المفردات وأعقدها في العالم الغربي
وهي ترتبط بالعقل والوعي وعمرها يبلغ فوق التسعة قرون من الزمن واختُبرت في روما القديمة
ثم أعيد إحياءها فيما بعد الحرب العالمية الثانية حين ضُمت اسبانيا والبرتغال لحزام
الديمقراطية الأوروبية اثر تدني سمعة فرانكو الاسباني وغياب هتلر الألماني وإحياء النظام الصناعي الياباني في ضوء انبثاق فكرة الديمقراطية الجديدة
على أنقاض الحرب ولكنها ظلت فيما بعد الشغل الشاغل للشعوب في العالم الثالث والعالم
النامي والعالم المتخلف، فقد حُشرت هذه الدول في أنظمة تفاوتت بين الدكتاتورية والحديدية
والأنظمة المعتدلة.
هذه الديمقراطية حين زُرعت في التربة العربية ماذا جرى لها؟
الديمقراطية في طرف آخر من العالم العربي، هي واحدة من أسهل
المفردات فلا تكاد تجد مواطن عربي من الثلاث مائة مليون إلا ويتحدث بها أو يفتي فيها
أو يتشدق بها، ولها ذكرى ساخرة أقرب للكوميديا السوداء فهي طيبة السمعة في دول وسيئة
السمعة في دول أخرى ، حين استخدمتها حماس ونجحت بواسطتها أقصت الآخرين، وقبلها ركبت
موجتها جبهة الانقاذ بالجزائر، فجرت على إثرها
انهار الدم، فهي سهلة الامتطاء ولكن صعبة المنال ولهذا لم تعش في بعض الدول العربية
سواء أشهر وفي دول أيام وفي دول لم تعمر..
الديمقراطية العربية مثل المرأة الحسناء الكل يغازلها والكل
يتقرب منها ويسبح بجمالها وعندما يفوز بها يمتلكها ويقاتل من أجلها حتى لا يدنو منها
أقرب الأهل والأصدقاء، فكم من شهيد! قدم نفسه على مذبح الديمقراطية من دون أن يوعد
بالجنة كما هو حال الانتحاريين الذين حسموا أمرهم من هذا المصطلح وعبروا البوابة نحو
الجنة بمتفجرة نثرت أشلائهم رغبة بالفردوس الموعود.. وقد استراحوا من لعبة الديمقراطية
التي ما فتأت تجري في عالمنا بوصفها لعبة الشعوب والحكومات الجديدة مع مطلع الألفية
الثالثة التي قسمت العالم من جديد في ضوء انهيار المعسكر الحديدي وسيطرت المعسكر الليبرالي
فيما بعد حقبة الحرب الباردة، لتبدأ حقبة الديمقراطيات وما تلاها من شرارات الديمقراطية
التي استولت على العقول ولكنها لم تحررها..
لعبة الديمقراطية في عالمنا العربي تشبه الساحرة في باليه
"الأميرة النائمة" حين تركب الساحرة مكنسة العالم السفلي لتصل بها لعالم
الأحياء وتستولي عليه، ففي الجزائر فازت جبهة الانقاذ ولكنها احتكرت الحقيقة حتى من
قبل أن تنظف صناديق الاقتراع ، وفي غزة وصلت حماس بالتصويت ولكنها ألغت بعدها حريات
الناس في اللباس والتنزه والسباحة وحتى في تدخين الشيشة، وفي السودان ها هي الديمقراطية
تنذر بنزع جنوب البلاد عن شماله.. ولا تتساهلوا مع الديمقراطية فقد حرمت العراق من
استقراره وأمنه وتركته في مهب الريح عبر فراغ سياسي، كفراغ لبنان الذي جعلت منه الديمقراطية
ثلاث دول وثلاث حكومات وثلاثة جيوش وثلاث شعوب.. فعاشت الديمقراطية العربية ، تلك الحسناء التي يتقاتل عليها الجميع ولا يحبها
الجميع.
في المشهد العربي،لا تختلف الديمقراطية
عن الانتحاريين المتشددين، فهؤلاء يريدون دخول الجنة بالموت، وهؤلاء يريدون الحسناء
ملكاً لهم حين يستولون عليها، فلا تصدق حزباً عربياً يصل السلطة بالديمقراطية ويسمح لغيره بالسلطة ذاتها
حتى لو بعد مليون ديمقراطية مماثلة، فمن توصله الديمقراطية للحكم في عالمنا العربي
يصبح وريثاً شرعياً للحكم ولا تصدق بعدها أن يتنازل حتى لو بعد مئة فوز للآخر.. ولكم
في المالكي وعلاوي بالعراق مثالاً في حكم الديمقراطية.. مسكين أنت يا من تصدق ان الفوز في العالم العربي بالحكم من شأنه
ان يحررك من قيود الماضي، فما زال بيننا وبين أرسطو وأفلاطون وابقراط ما بيننا وبين
السموات السبع فوق رؤوسنا.
Comments
Post a Comment