حينما تتنازل الأسود للحملان ماذا يحدث؟






حينما تتنازل الأسود للحملان ماذا يحدث؟ 

احمد جمعة


قبل أن أقول العبارة لابد من المرور على القصة المستوحى منها هذه العبارة ، فقد وردت في سياق احداث الحرب العالمية الاولى ، وضمن قيام جنرال الماني بالتعليق على شجاعة الجنود البريطانيين مقابل تخاذل بعض ضباطهم حينما قال هذا الجنرال ممتدحاً الجنود الانكليز: رأيت أسوداً في الميدان تقودها حملاناً !                                                                                    
هنا تكمن حكمة العبارة ومصداقيتها وانطباقها على الكثير من الأوضاع في الوقت الحاضر وليس فحسب في ميدان الحرب ولكن في الحياة العامة وفي السياسة والعلاقات العامة وكل مرافق الحياة ، فحينما تقود الحملان الأسود فلابد ان هناك ثمة خلل في التوازن الطبيعي للحياة ولابد من خطأ جسيم يستوجب التعديل لسلامة الحياة وانتظام قوانين الصراع والتطور ، فما لا يواكب قوانين التطور الطبيعي، وما يتم فرضه بالمزاج والقرار الخاطئ وعدم العودة عن الخطأ كل ذلك يدفع بالجنود رغم شجاعتهم الى احداث خلل في نظام الحياة والنظام العام كلية.                                                          
ماذا يحدث ان اختل النظام العام في الحياة؟                                          
تحدث الفوضى وتصبح الدنيا بلا نظام وعندئذ تتحول المجتمعات الى غابات ونعرف جميعاً قوانين الغاب التي تحكمها القوة ولا يحكمها القانون، وحتى هذه القوانين الخاصة بالغابة عندما تتحول كما قال الجنرال الالماني ممتدحاً شجاعة الجنود الانكليز إلى قوانين عكس طبيعتها .. نرى حملاناً تقود الأسود ،فذلك يصطدم بحقيقة الحياة وقوانين التطور فيها.                                          
ولأكون صادقاً ولن يعرف جوهر ما أقول إلا من يسمك بالجمر بين يديه ويرى الامور مقلوبة ويحاول هنا وهناك ترقيع وترميم ما في وسعه من دون أمل كما يبدو للوهلة الأولى، إلا أنه دائماً هناك أملاً في العمل والسعي والمحاولة ، حتى لو بدا ان اليد الواحدة لا تصفق لكنها على الاقل تحرض على العمل وعلى المحاولة.                                                              
اليوم ونحن في خضم هذا الانفعال والعاطفة التي تهيمن على ديارنا والتي أثمرت في بعض وجوهها الفوضى أينما ذهبنا نرى للاسف الشديد الاحداث تجري من حولنا ونحن أشبه بالترس المختلف الذي وضع في الآلة التي لا يناسبها، صحيح ان هذا الاجتهاد الذي جعل الميكانيكي يضع ترساً في آلة لا يناسبها ، وصحيح ان الآلة بعد ذلك تحركت لكن هل تعمل بالشكل الصحيح؟  
اننا اليوم أمام معضلة تتمثل بوضع آليات وبوضع برامج وبسن قوانين وبتعيين أشخاص وبتحريك مواقع ولكن رغم عمل هذه الآليات ، هل نرى الأمر يسير بحسب قوانين التطور؟ وهل النتائج والتداعيات التي تحدث تتلاءم مع الخطط والبرامج ؟                                                                                 
هناك منا من يفتح عينيه مع بداية كل صباح ليفاجئ بصور ومشاهد تحدث معه غصة في المريء، حيث لا يستطيع ان يبلع هذا الامر ولا يحتمله ومع ذلك تجري الامور لعل وعسى ان تكون هناك نتائج مختلفة ، ولكن هل يكمن أن نتخيل ان من يزرع تمراً يجني منه رزاً؟ ومع ذلك نقبل بالفوضى  شرط ان تكون منظمة، ويمكن معالجة تداعياتها ولكن الفوضى تبلغ ذروتها حينما لا تنتظم مع قوانين الحياة وتشهد على ان ثمة اختلالاً صعباً جداً معالجته بالكلمات وإنما بالافعال، ومشكلة  الافعال  قليلة ونادرة في حياتنا اليوم.        
سواء أدركنا او لم ندرك حجم الفوضى وسواء انتبهنا او لم ننتبه لما يجري من حولنا، فان السفينة تبحر ونحن اليوم في عصر السفن التي تبحر بالطاقة النووية وليس بالأشرعة والهواء  حتى نقول تجري الرياح بما لاتشتهي السفن ، فالسفن تجري هنا وهناك.. وسفينتنا تجري حالها كحال السفن الأخرى في هذا البحر الهائل بالامواج العاتية، ولكن الى أين ؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام والسنوات والعقود القادمة على ضوء العلاقة بين الأسود والحملان!            


Comments

Popular posts from this blog

رؤية معاكسة ضد تيار المقاطعة!