نقطة أول السطر

سحر الدنيا!

احمد جمعة

في فيلم سفن باوندز ، الذي يمثل فيه وول سميث دور مزيف جابي ضرائب مهمته  تحصيل ومراقبة وتدقيق حسابات المواطنين المتخلفين عن دفع الضرائب  وأمام  ما يواجهه من قصص وحكايات ومآسي المتخلفين عن الدفع ويشغل نفسه بمساعدة الآخرين حتى يصل لمستوى  يتخلى عن منزله الذي يتميز بالرفاه لأحدى السيدات مع أطفالها وتستمر مساعداته الإنسانية الى حد يقرر الانتحار بوسيلة لا يتوقف معها قلبه وذلك ليتمكن من منح قلبه الى المرأة التي تنتظر لشهور متبرع وتكاد تقترب من الموت قبل الحصول على الفرصة، من هنا يبدأ بإغراق نفسه في حوض مياه مستخدماً وسيلة غريبة وهي القاء سمكة -الجلي فيش- السامة معه في الحوض لينتهي في النهاية قلبه في جسم المرأة التي أحبها وتبرع لها بالقلب.. هذا ما أسميه الحب البعيد المنال او التضحية المستحيلة.
اليوم في واقعنا المشحون بالتفاصيل والأخلاقيات والشعارات والخطابات السياسية والشماعات التي نعلق عليها كل الأخطاء تبدو الأكاذيب والخداع في أغلب ما نقوم به من تصرفات سواء على صعيد فردي او مؤسساتي وسواء قام به شخص او رمز او جمعية سياسية أو كتلة إسلامية أو مجتمع بأسره فان من الواضح هناك كم من الخداع والكذب يصل إلى الحد الذي ينسى معه الإنسان الى أين يريد الذهاب في الكذب والخداع حتى لو كان ذلك على حساب وطن وشعب بأسره.
الأنانية تمنع من وجود مواطن "كوول" سميث في فيلم سفن باوندز وتمنع وجود شخص بكامل صحته وشبابه ينتحر ليزرع قلبه في جسم حبيبته وتمنع وجود شخص يتخلى عن منزله لامرأة مع أطفالها.
كم هي المآسي في مجتمعنا اليوم التي لا تحظى حتى بالتفاته او مجرد القاء نظره؟
كم هي الأسر المدمرة والمشردة بسبب الأقساط التي لا تستطع دفها وتورطت بها.. وكم هو عدد الأسر التي لا تملك ما تطعم به أطفالها والتي يحيط بها نواب وبلديون استولوا على أصواتها أثناء الانتخابات ولم تحظى هذه الأسر فيما بعد الانتخابات بمجرد رد على اتصالاتها من النواب الذين استفادوا من أصواتها.
وكم هي البرامج والمطالبات والشعارات والتي تصدر يومياً في بيانات سياسية وفي تصريحات صحفية وفي مواعظ دينية عبر مكبرات الصوت وعبر خطب الجمعة والتي تصدح باسم الخير ولكنها مع ذلك لم تطعم فقير ولا تدفئ  مشرد.
ما حجم البيانات والخطب والشعارات التي نسمعها ونقراها في هذا الوطن باسم الفقراء والمعوزين ولكنها تذهب أدراج الرياح لكونها جميعها مسيسة الهدف منها الوصول الى المناصب والمراكز الحساسة في البلد على حساب  الفقراء الذين لهم رب وابسط ما نرد عليهم ان مدوا أيديهم * الله يعطيك* ؟
ان اخلاقيات السياسة للأسف الشديد اليوم لم تعد لها علاقة الاخلاقيات الحقيقية والمخلصة والمجردة من المصلحة والأنانية والدليل على ذلك ان الجميع مشغولون بأنفسهم ولا وقت لديهم لغيرهم من الناس حتى لو كانوا اقربائهم واهلهم فالدنيا أخذتهم بغرورها  وبريقها وسحرها ومالها ولا فرق بين السياسي والديني ورجل المال فالجميع يشتغلون على أنفسهم  ولمصالحهم ولدنياهم الحاضرة علما بأنهم من المؤمنين بالآخرة.
ما ينقصنا اليوم هو  بعض من مشاعر وول سميث في فيلم سفن باوندز لا ننتحر من اجل غيرنا ولا نتخلى عن منازلنا لغيرنا ولا حتى نضحي بجزء من أموالنا لغيرنا ولكن ببعض من الصدق في التعاطي مع الآخرين بدل الاكتفاء بادعاء الاخلاقيات بعيدا عن صدق الحياة وعفويتها وبساطتها التي تقوم على عش الحياة بحب غيرك مثلما تحب نفسك وفي هذا جمال الحياة وصدقها وكفى من هذا الكذب اليومي الذي يتوزع بين كذب أخلاقي وكذب سياسي وكذب صحفي وكذب اعلامي وحياة مليئة بالكذب.
من المؤسف ان يعيش البعض منا الحياة اليوم وكأنه سيعيشها للأبد فلا فرق عنده بين الكذب والصدق ولا بين الحب والكراهية فالسباق من أجل المال والنفوذ يغني عن الصحة وهنا يكمن الغباء الإنساني.


Comments

Popular posts from this blog

رؤية معاكسة ضد تيار المقاطعة!