في البحرين ناس تحب العيش في قبر
في البحرين ناس تحب العيش في قبر
احمد جمعة
لا استغرب
هذا الانزلاق نحو الحياة السوداوية والرغبة في العيش في قبر مع ان الحياة منحتنا
كل الجمال والحيوية ومن حولنا كل القيم الجمالية التي من شأنها اشاعة السعادة
والصحة في النفوس ، ولكن ما استغرب له حقاً نزوع الناس في هذا البلد وفي غالبيتهم
الى الحياة السوداوية والى الحزن والكآبة والقتامة التي يغلفون بها كل ما يحيط بهم
فلا يبتهجون بالأفراح ولا يحتفلون بالمناسبات ويحولون الفرح الى كآبة ويغلفون كل
ما حولهم بالسواد والضجر وكأنهم من اصحاب الكهف الذين كتب عليهم المكوث هناك طوراً
من الزمن.
مناسبة هذا
الكلام هو قيام البعض بالاحتجاج ورفض الاحتفال بالعيد الوطني والسنة الجديدة
وإقامة الحفلات الغنائية وتكفير الرقص والموسيقى وغيرها من مظاهر الفرح والابتهاج
ومبعث استغرابي ان هؤلاء الذين ينسبون ما حدث لنا من محنة ومن أزمة الى اننا
تخلينا عن ديننا يختلفون مع انفسهم حينما يتحدثون عن مؤامرة ضد البحرين ويناقضون
انفسهم حينما يتحدثون عن استهداف البحرين وتخريبها وينسون ان التخريب ليس فقط في
الأمور المادية بل هو تخريب في النفوس والقلوب والصحة والمزاج وهذا ما يقوم به من
يقتنص الفرح ويصطاد البهجة ويصادرها من حياة الناس بمنعهم من الاحتفال والفرح
وبحشرهم في الظلام والقتامة .. ماذا يريد هؤلاء بالضبط ؟ وما هو الفرق بينهم وبين
من يستهدفون البحرين بالتخريب؟ أن الاثنين لا يختلفان عن بعضهما سوى بالاسم؟
دعوا الناس
يا صيادو الفرح البحرين تفرح وتمرح وتنطلق
فما خسرناه وما مررنا به من محن ومن احزان ورتابة يستدعى ان ننفض عن نفوسنا الغبار وان ننهض بحيوية وانطلاق وفرح
كما هي الشعوب الحية التي تعيش يومها وحاضرها من دون ان ينقص عليها الآخرين بمثل
هذه المحرمات والممنوعات كما يفعل بعض اخواننا واخواتنا هذه الايام من استنكار
الفرح.
انظروا الى
دبي بل حتى الدوحة التي كانت قبل خمس سنوات مظلمة وهي اقرب نقطة منا ولا نريد ان
نذهب ابعد ماذا جرى فيها من انفتاح : دبي هذه اليوم تشهد مهرجانات سينمائية وغنائية
وموسيقية ورقص وملايين السياح من العالم تركوا شتاء أوروبا وجاءوا لدفء دبي حيث
تكتظ ترقص النجوم مع نجوم الغناء والرقص والموسيقى وهذا لم يمنع دبي والامارات في
الوقت ذاته من المشاركة الفعالة في عاصفة الحزم ودبي هذه تستقبل الحفلات الغنائية
الراقصة من الشرق والغرب وتفتح الابواب للجميع بالاحتفال كل على شاكلته وكل على
ذوقه وبحريته التي شرط لا تتعدى على حريات الاخرين ، لا احد هناك هدد بالقيامة ولا
بالعقاب من السماء ولا بالانتقام الالهي كما يفعل اخوتنا هنا في البحرين، وفوق ذلك
أمارة في حجم امبراطويرية، تخطت العجز وميزانيتها الأخيرة خيالية، لم يغضب منها
الله ولم يعاقبها كما يفعل النائمون في القبور عندنا.
لا اعرف من
ادخل في عقول ونفوس الناس مثل هذه الافكار السوداوية القاتمة ولا اعرف مصدر هذه
المشاعر السلبية التي تهيمن عل النفوس.. حتى الصغار اصابتهم اللوثة حينما تسربت
الى نفوسهم مثل هذه المشاعر وخاصة مع انتشار الدعوات المتشددة.. هذا حرام وهذا
ممنوع وهذا يجلب العقاب السماوي وهذا يحدث الكوارث حتى تحولت حياتنا الى اختناق من
كل الجهات وكأننا لا ينقصنا ما نمر به من اعمال تخريب وتدمير للممتلكات والمنشآت
وترويع الآمنين حتى يدخل علينا من الباب الثاني من يسيطر على النفوس بنشر الدعوات
الظلامية.
يا جماعة
دعوا الناس تعيش وتحيا مثلما خلقها الخالق ومثلما تعيش شعوب الارض من الغرب والشرق
وحتى ممن حولنا كدول مجلس التعاون الذين يشاركوننا القيم والدين والتراث لم تروعهم
مثل هذه الدعوات الغامضة والغريبة على الحياة وعلى المجتمع، فقد عاشت البحرين عقود
طويلة بحريات وفرح وحيوية وانطلاق من دون تدخل مثل هذه الافكار الظلامية المتشددة
التي انتشرت اليوم كما تنتشر النار الهشيم وابتعدوا عن نشر الافكار المسممة للعقول
والمدمرة للنفوس ودعوا الناس تفرح وتنبسط كما كانت دائماً فلا ينقصنا اليوم تسميم
الحياة بأكثر مما هي مسممة، هل تريدون جيلاً آخر على غرار القاعدة وحزب اللات والشيطان
وداعش؟
اننا اليوم
ونحن نتطلع الى الخروج من جو هذه الازمة الخانقة ومن هذا المناخ المشبع بالترويع
والخوف المسيطر على الناس بفعل ما يقوم به المتشددون على الضفة الاخرى، لسنا بحاجة
لمزيد من الانغلاق والعزلة والتحجر بقدر ما نحن بحاجة للتفاؤل والفرح والانطلاق ..
ان من يفكر في بناء حياة سعيدة لا يجب ان يعيش ويغلق عليه الابواب والنوافذ ويعزل
نفسه عن العالم المبتهج بمباهج الحياة.. فارحمونا من دعواتكم المغلقة وانشروا
الفرح أينما كنتم وكفوا الله يرحمكم من هذه
العزلة الخانقة التي تعيشونها
وانطلقوا في رحاب الحياة الواسعة تعيشون كما يريد الله لكم ان تعيشوا بفرح وبهجة
وسعادة.
Comments
Post a Comment